في وقت خروج شبان عدد من دول المنطقة يهتفون ضد أنظمة تلك الدول، حتى آلت الأمور إلى ما آلت إليه من دمار وعدم استقرار وأزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية فيها، خرج شباننا يهتفون بأسماء ولاة أمرهم، في مواجهة محاولات تحريضهم على الثورة، أسوة بأقرانهم في دول المنطقة.
لكن شباننا كانوا على مستوى من الوعي جعلهم يدركون أنه ليست لديهم دوافع الثورة التي كانت عند الآخرين، فهم يعيشون في نعمة مع بعض المشاكل التي لا تخلو منها دولة، والتي لا تتوقف جهود تطويعها وتذليلها من قِبل قيادتهم.
نعم، لقد أدرك شباننا أن الثورة فقط من أجل الثورة إجراء أهوج، وأن أمن الأوطان نعمة لا تضاهيها نعمة، بعد أن شاهدوا الناس بأعينهم يُتَخَطَّفون في أوطانهم، فكان ما كان من التفاف شباننا حول ولاة أمرهم، وكان ما كان من ولاة أمرهم من رد للجميل، ومكافأة أبنائهم لقاء هذا الوعي، عبر سلسلة من القرارات والأوامر الملكية التي انصبت جميعها في قائمة مشاريع ومبادرات طويلة موجهة إلى الشبان والشابات من أبناء المملكة وبناتها، على اختلاف شرائحهم وتطلعاتهم وحاجاتهم، فبقيت سفينة بلادنا – بفضل الله- آمنة، وسط محيط مضطرب.
لكن هذا لا يعني أن الأمر انتهى، أو أن محاولات تحريض أبنائنا على بلدهم توقفت، أو ستتوقف، وجولة قصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي ستكشف كم الاستهداف لعقول شباننا، وتشكيكهم في جميع ثوابتهم، ومحاولات الانجراف بهم إلى أقصى اليمين، وإلى أقصى اليسار، وانجراف كثير من الشبان مع هذه المحاولات من دون أن يشعروا بهذه الفخاخ التي تقترب منها أقدامهم، وهم يتداخلون على صفحات مشبوهة، لا يخفى على ذي خبرة من المتصفحين منذ الوهلة الأولى أنها ما أنشئت إلا لاصطياد شباننا واستدراجهم من أطراف كثيرة، وليس طرفا واحدا بالمناسبة، ومن لا يرى هذه المحاولات أو لا يعترف بوجودها، بحجة رفض نظرية المؤامرة، فهذا شأنه، لكنها موجودة شاء من شاء وأبى من أبى، وصمتنا في مواجهتها، أو غض الطرف عنها، يعني ترك مساحات كبيرة في وعي أبنائنا أمام الآخر للتقدم فيها.
إن المواعظ المنبرية وحدها لا تكفي لحماية أبنائنا من الانزلاق في مهاوي هذه الدعاوى وأصحابها، لذا يبقى التواصل مع طموحات أبنائنا، والأخذ بأيديهم لتحقيق أحلامهم في بلادهم أنفع لهم، وأبقى لنا، وتأسيسا على هذه الأولوية الوطنية، فأرى –من وجهة نظري- أنه على كل جهة وطنية من الآن أن تكون لديها استراتيجية تخاطب خلالها وجدان أبنائنا وبناتنا، وتتواصل مع حاجاتهم، وتلبي تطلعاتهم، وتصغي إلى مشكلاتهم باهتمام وبرغبة حقيقية في حلها.
في المقابل، فإننا نحتاج إلى إطلاق مبادرات تنموية تستوعب طاقة أبنائنا وبناتنا وهمتهم، فما أراه من مبادرات يقوم عليها شبان بلادنا وشاباتها، يؤكد بالدليل أنهم أصحاب همة عالية، ولا ينقصهم إلا أن يجدوا الفرصة للانخراط في شؤون التنمية في بلادهم بقوة، وأن يكونوا جزءا منها لا عبئا عليها، ففي الوقت الذي يشارك أبناؤنا في بناء بلادهم، لن نكون في حاجة إلى تقديم النصيحة لهم للحفاظ على حلمهم الذي حققوه، وتعهدوه بالرعاية.
نحن في حاجة إلى استراتيجيات شراكة خلاقة تقدمها جميع القطاعات الوطنية والخاصة، بوصفها مستفيدة من هذا الوطن، تضمن دخول الشبان طرفا في معادلة المواطَنة بقوة، وترفع عن كاهل الدولة قلق الحفاظ عليهم من أن يتخطفهم من يدها هذا أو ذاك، ليصنع منهم قنابل مؤقتة تنفجر في وجوهنا.