بناء على توصية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، أصدر مجلس الوزراء السعودي الأسبوع الماضي قرارا بإحالة مشروع الترتيبات التنظيمية لفرض الرسوم على الأراضي البيضاء، الواقعة داخل النطاق العمراني، إلى مجلس الشورى لدراسته ورفع توصياته خلال 30 يوما.  

بهذا القرار أصبحت قضية رسوم الأراضي البيضاء في عهدة مجلس الشورى لمواجهة أهم تحدياتنا الإسكانية والتنموية المُلِحَّة، خصوصا أن المملكة تعدّ من الدول القليلة في العالم التي تعاني احتكار مجموعة محدودة من المستثمرين لمساحات شاسعة من الأراضي البيضاء ولفترات طويلة، ما أدى إلى ارتفاع متوسط قيمة الأرض السكنية إلى 75% من كلفة المسكن، بينما لا تزيد هذه القيمة عن 23% في آسيا و24% في أميركا و43% في أوروبا.

وبهذا القرار أصبح مشروع نظام فرض الرسوم أمانة في يد مجلس الشورى لأهمية محتوياته، خصوصا أن تقرير مركز التعداد السكاني التابع للأمم المتحدة، الصادر خلال العام الماضي، أكد أن عدد سكان المملكة قفز 10 أضعاف، من 3 ملايين نسمة عام 1950 إلى حوالى 30 مليون نسمة عام 2015، وسيتضاعف مستقبلا ليفوق 62 مليون نسمة عام 2050، لتحتل المملكة المرتبة الـ29 بين دول العالم في عدد السكان.

هذه الزيادة المستقبلية المتوقعة ستشكل عبئا إضافيا على أزمة السكن في المملكة، بسبب نمو الطلب السنوي بنسبة 5%، ليصل حجم الطلب بعد عقد من الزمن إلى 4 ملايين وحدة سكنية، مما يتطلب ضخ مبالغ إجمالية مقدارها 3000 مليار ريال لتأمين هذه المساكن، إضافة إلى اعتماد مبلغ 1000 مليار ريال آخر لتمويل البنية التحتية اللازمة لمواكبة هذا الطلب.

الخطط الخمسية للمملكة أكدت أن احتكار الأراضي البيضاء هو السبب الرئيس لقضية الإسكان المزمنة، ما أدى إلى انخفاض نسبة تملك السعوديين للمساكن خلال العقد الماضي من 65% إلى 55%، مع ارتفاع نسبة متوسط كلفة إيجار المسكن إلى متوسط دخل الأسرة من 26% إلى 30% خلال الفترة نفسها.

وكانت وزارة الشؤون البلدية والقروية كشفت مؤخرا في تقريرها السنوي أن إجمالي الأراضي المستخدمة في جميع مناطق المملكة بلغ أكثر من 40 مليون كيلومتر مربع حتى نهاية العام الماضي، فيما بلغت مساحة الأراضي البيضاء 27 مليون كيلومتر مربع، منها 11 مليون كيلومتر مربع تم تخطيطها، و16 مليون كيلومتر مربع لم يتم تخطيطها بعد. كما كشفت وثائق وخرائط أمانات المناطق ارتفاع مساحة الأراضي البيضاء بنسبة 77% في منطقة الرياض و60% في المنطقة الشرقية و56% في منطقة مكة المكرمة.

مُجَمَع الفقه الإسلامي أقر بحرمة الاحتكار شرعا، لأنه لا يوفر شرط الرضا في التجارة، ويجعل المشتري مُكرها على الشراء لسد حاجته، لذا أصدر المُجَمَع قراره رقم 8 الذي نص في فقرته الثالثة على ضرورة: "تضافر نصوص الشريعة الإسلامية على وجوب سلامة التعامل من أسباب الحرام وملابساته، كالغش والخديعة والاستغلال وتزييف حقيقة الربح والاحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة".

وإذا كان الأصل في الشرع يهدف إلى تشجيع التجارة ومنع تدخل الدولة في تحديد الأسعار، فإن الاحتكار يوجب تدخل الدولة، لكونه خللا واضحا في شروط المنافسة العادلة، وضررا جسيما بمصلحة الفرد والمجتمع.

هذا ما أكدت عليه أيضا الفقرة الرابعة من القرار رقم 8 الصادر من مُجَمَع الفقه الإسلامي، والتي نصت على أنه:

"لا يتدخل ولي الأمر بالتسعير إلا حيث يجد خللا واضحا في السوق والأسعار ناشئا عن عوامل مصطنعة، فإن لولي الأمر حينئذ التدخل بالوسائل العادلة الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش".

كما جاء نظام حماية المنافسة السعودي، الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/25 وتاريخ 4/ 5/ 1425، متسقا مع شريعتنا السمحاء الهادفة إلى حظر ممارسات الاحتكار وتنفيذ العقوبات الصارمة حيالها.

والمقصود هنا جميع أنواع الاحتكار المتعلقة بالسلع والخدمات التي منها احتكار الأراضي البيضاء.

وعلى عكس ما تنبأ به بعض الاقتصاديين، فإن قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء الواقعة داخل المخطط العمراني، سيكون إيجابيا على السوق العقارية السعودية، لقدرة هذه الرسوم على تخفيض نسبة تضخم أسعار الأراضي مستقبلا، بعد أن شهدت المملكة خلال العقد الماضي ارتفاعا كبيرا فيها فاق 400%.

كما أن هذا القرار سيكون داعما للسوق العقاري المحلي، لأنه يأتي متزامنا مع تدشين وزارة العدل أكثر من 36 مؤشرا عقاريا جديدا، تحوي المعلومات المتكاملة لأسعار العقار في المناطق والمدن والأحياء، وتعيّن الفروقات وتعطي مؤشرات واقعية عند عملية البيع والشراء.

لا شك أن مجلس الشورى اطلع على تقرير "أكسفورد إيكونوميكس"، الصادر خلال العام الحالي، والذي أكد على أن الدول الخليجية حصدت في العقد الماضي واحدا من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، لتتفوق بحوالى 4 أضعاف على نسبة النمو في الأسواق الناشئة وأميركا، و7 أضعاف في الصين، و10 أضعاف في أوروبا.  وأوضح التقرير أن معدلات النمو الخليجية قد تستمر في التصاعد بنسبة 1.8% سنويا، لتعادل ضعف نسبة النمو في الأسواق الناشئة، ما يؤدى إلى ارتفاع عدد سكان الدول الخليجية بنسبة 30% عام 2020.

قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء سيؤدي إلى تراجع احتكار الأراضي البيضاء، وسيدفع الطلب على الوحدات السكنية في السنوات القادمة، ليصبح المواطن والقطاع العقاري أكبر المستفيدين من هذا القرار الصائب.