ينطلق الشعر من الدهشة، تلمع فيه المفاجأة، ثم تمضي خباياه وتتخلق مرة بعد مرة، في الأفق، إلى ما لا نهاية. هذا الجوهر الخرافي السحري يمدّ لسانه في الصورة، في اللقطة العبقرية التي تشدّك إليها حتى تتماهى مع شيء كامن فيك. في الشعر تأخذك الصورة منك، تترك بينك وبين نفسك مسافة غريبة، تعيدك للوراء كما لو أنك ستسدد ضربة جزاء، ثم ترى إلى داخلك، مفتونا بالمعنى الذي تعاظم في قلبك. واحد ممن يقيمون الكلمات بهذا الفن وبهذه السعة، الشاعر إبراهيم زولي. يميّز إبراهيم عن كثيرين أنه عايش حالة الثمانينات ومعاركها، وهزائمها وانتصاراتها في ذروتها، بوصفه فاعلا فيها، وهو في مقتبل تجربته وشبابه، ثم شهد الأجيال التي توالت حتى اليوم وأثره يكبر، ولم ينعكس هذا على وعيه ورؤيته فحسب، بل وعلى نصه الشعري. ومع صعوبة خلق مدىً مختلف في الزحام الذي آلت إليه قصيدة التفعيلة، عربيا ومحليا، إلا أن لإبراهيم بصمته المختلفة والخاصة، تراكمت في أعماله الإبداعية التسعة، منذ "رويدا باتجاه الأرض" وحتى "حرس شخصي للوحشة". مثلا كتب زولي: "السماء حيادية، الظلال التي تتقاطع فوق البيوت ليالي الخميس، الصحارى البعيدة، بعض النعاس، صبايا القرى، كل شيء يمارس هذي الحيادية السافلة. سوف آتيك مرتكبا عاتيات القصائد، وسوسة الروح، يرهقني هاجس الأقحوان، فراغ المسافة. ممّ هروبك؟ من عتمة الدرب في الليل؟ بل عتمة الروح أقتم. هيا أعطني برهة، كي أقول الذي لم يقل". وفي نصوصه المفتوحة بكتاب "شجر هارب في الخرائط" قال: "تتكاثرين في الجهات، وتفوحين بالخطايا، لكنك لا تعترفي بالنسل وسقوط الأندلس، نهداك آخر طقوس الحرية، وأول رهان القصيدة، بتحدٍّ فاجر جسدك يحتال على العدم، ويكتب مجده بحبر الشهوة. أيتها القصيدة، وحدك في البرية وضراوة الهجير. لا جدار يسندك، ويخلصك من مكر العالم". إبراهيم زولي من مواليد ضمد 1968، جنوب السعودية، تخرج في جامعة أم القرى، في اللغة العربية وآدابها، دخل الساحة الشعرية مبكرا وذهب صوته وقصائده في كثيرٍ من المحافل، بداخل المملكة وخارجها، وليس هناك أجمل من تعريفه بنفسه.. "كنت وحدي، كما فارس من جنوب الجزيرة، تأخذه من يديه النهارات، أحنّي لقلبي المسافات، أركض في الطرقات إليك، أنا قادم كالثياب الجديدة في ليلة العيد، آتيك لا أعلم الخطوة المقبلة".