أكتب هذا المقال من العاصمة الأمريكية واشنطن، وهي تعيش أجواء حملة انتخابية استعداداً ليوم الانتخابات الحاسم في 2 نوفمبر 2010م. وإذا كان انتخاب باراك أوباما للرئاسة الأمريكية قبل سنتين قد اعتبر ثورة بكل المعايير في المنظور الأمريكي، فإن ذلك قد أدى إلى ثورة مضادة في صفوف المحافظين لاستعادة هيمنتهم على النظام السياسي الذي تمتعوا به خلال عهد الرئيس بوش.
فبعد أسبوع سيذهب الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ. وتُسمّى هذه الانتخابات بالانتخابات النصفية، لأنها تأتي في منتصف ولاية الرئيس، ويُنظر إليها عادة كمؤشر لتقييم أدائه في البيت الأبيض. وغالباً ما تعكس ردة فعل – سلبية عادة – من قبل الناخبين نحو الرئيس وحزبه، وعادة ما يفقد حزب الرئيس الكثير من المقاعد في هذه الانتخابات النصفية، تعبيراً عن استياء الناخبين تجاه القرارات التي اتخذها الرئيس خلال النصف الأول من رئاسته.
ولكن هذا العام يتوقع الكثير من المحللين المحايدين، وليس فقط محازبي المعارضة الجمهورية، أن تكون النتائج كارثية على حزب الرئيس (الحزب الديموقراطي)، الذي يسيطر الآن على البيت الأبيض ومجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس الأمريكي. وبالطبع سيظل البيت الأبيض في يد الديموقراطيين إلى عام 2012 بصرف النظر عن نتائج الانتخابات النصفية، ولكن هناك ثورة مضادة منظمة لإزاحة الحزب الديموقراطي من الأغلبية، وبالتالي القيادة، في الكونجرس. وإذا تحقق ذلك للجمهوريين فإنهم سيستطيعون تعطيل أي مبادرة يقوم بها الرئيس وتحويل الرئيس إلى ما يسمى في العرف الأمريكي lame duck أو البطة العرجاء، التي لا تستطيع التحرك بحرية، وبذلك يتمكنون من منع الرئيس وحزبه من إحداث أي تغييرات جوهرية في النظام الاقتصادي أو الاجتماعي الأمريكي، مهيئين الجو بذلك للاستيلاء على البيت الأبيض في انتخابات عام 2012، والقضاء على ما يُسمى بـ "حقبة أوباما" التي مثلت قمة نجاح التوجه الليبرالي في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.
وكما أدى تطرف "المحافظين الجدد" في عهد الرئيس بوش إلى ثورة ليبرالية أتت بالرئيس أوباما إلى البيت الأبيض، وأعطت الحزب الديموقراطي أغلبية في مجلسي الكونجرس، فإن نجاح أوباما في عدد من السياسات الداخلية التي عارضها المحافظون (مثل تمرير نظام التأمين الصحي الشامل لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، ورفع الضرائب على الأغنياء) وبدرجة أقل بعض السياسات الخارجية (مثل الانسحاب من العراق الذي يعارضه المحافظون أيضاً)، قد أدى إلى ظهور حركة متطرفة يمينية تقود المعارضة ضد أوباما والحزب الديموقراطي، وهي ما يُسمى حزب الشاي Tea Party.
وكما يدل اسمه، فإن الموضوع الرئيس لحزب الشاي هو معارضة خطة أوباما لرفع الضرائب. ففي اسمه إشارة إلى حادثة تاريخية في القرن الثامن عشر أشعلت حركة الاستقلال الأمريكية للتخلص من الحكم البريطاني. إذ كانت الضرائب على الشاي المستورد إلى المستعمرات الأمريكية (التي أصبحت بعد الاستقلال الولايات المتحدة الأمريكية) تشكل دخلاً كبيراً للحكومة البريطانية، ولما قررت تلك الحكومة في حينه رفع الضرائب على الشاي، ضاق سكان أمريكا ذرعاً بتعنت البريطانيين ونظموا حملة لمقاطعة شراء وشرب الشاي، وبدأت الحركة بمهاجمة السفن المحملة بالشاي في ميناء بوسطن وتدمير حمولتها، وسميت تلك الحملة ضد ضرائب الشاي بحفلة الشاي أو حزب الشاي.
وأبرز رموز حزب الشاي في الوقت الحاضر هو سارة بيلين، حاكمة ولاية ألاسكا السابقة ومرشحة الجمهوريين في عام 2008 لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة. ومع أن أغلبية الأمريكيين لا يبدون ثقة فيها لتولي أي منصب، إلا أنها استطاعت حشد التأييد لمرشحين آخرين أكثر قبولاً. وقد حصد حزب الشاي الكثير من النجاحات في الانتخابات الأولية (الحزبية) في شهر سبتمبر الماضي أمام المرشحين الأكثر اعتدالاً.
ولا شك أن أداء الاقتصاد الأمريكي سيكون العامل الحاسم في الانتخابات، والنتائج الأخيرة لا تبشر بخير، فالبطالة ما زالت في حدود 10%، والنمو الاقتصادي يكاد لا يُذكر، خلافاً للتوقعات، ومحافظ البنك المركزي الأمريكي لا يملّ من ذكر الأخبار السيئة كلما سنحت الفرصة. ولذلك فمن الطبيعي أن يفقد الديموقراطيون الكثير من المقاعد، بل قد يفقدون السيطرة على الكونجرس بمجلسيه. والأمل الوحيد للديموقراطيين أن يكون هناك انقسام بين الجمهوريين والمستقلين يوم الانتخابات بعد أسبوعين، عندما يكون الخيار بين مرشح متطرف من أنصار حزب الشاي مثلاً ومرشح معتدل من الحزب الديموقراطي، فقد يختار المقترعون المرشح الديموقراطي. أما إذا كان التنافس بين مرشح جمهوري تقليدي ومرشح ديموقراطي فإن فرص نجاح الديموقراطيين محدودة.
وقد تحمل الانتخابات مفاجآت للجميع. ولعل لي عودة إلى نتائجها بعد أسبوعين، لنرى ماذا سيكون تأثيرها على الولايات المتحدة وعلينا، لأن العالم كله – شاء أم أبى – يتأثر بنتائج الانتخابات الأمريكية.