ليس مطلوبا من معالي وزير التعليم أن يُذعِن لأقوال الصحف، ومقالات الرأي، وأصوات الطلبة الدارسين على حسابهم في الخارج، كما أن القرارات لا يجب أن تأتي دوما منسجمة مع ما يطلبه العامة، لأن الناس بشكل عام ينساقون وراء العاطفة أكثر من العقل، ومحاولة إرضائهم على سبيل المجاملة قد لا تصبّ في الصالح العام على المدى البعيد، كل ما سبق صحيح، بيد أنه لا يُعفي وزارة التعليم من مسؤولية هذا الصمت و(التطنيش) والاعتداد برأيها، دون مقدرة منها على تبريره والدفاع عنه، ففضلا عن أن الوزارة مطالبة نظاما بالرد عن كل ما يُكتب عنها في وسائل الإعلام، إلا أن المفترَض أن تُبادر هي من تلقاء نفسها إلى دفع التهم عنها، كما ينبغي عليها أن تتواصل مع الناس، وتحاول إقناعهم بما تتخذه من إجراءات، ليعرفوا أن قراراتها لم تكن عشوائية، ولم تأتِ -هكذا- اعتباطا من عندها، إنما هي خاضعة لخطط ودراسات وأرقام. فلو أن وزارة التعليم وضحت للناس وجهة نظرها لكنا في غنى عن عشرات المقالات، وعشرات الآلاف من التغريدات التي تحدثت عن موضوع الطلبة الدارسين على حسابهم في الخارج، حتى دَخَل فيه من ليس له دَخْل فيه، ولربما كانت له أهداف أخرى مختلفة تماما عن أهداف الطلبة، ومن غير المعقول أن تتعامل الوزارة مع وجهات النظر المخالفة لها على أنها أصوات مشبوهة أو مغرضة تعمل على تأليب الرأي العام ضدها، كما لو كُنّا في معركة لا بد وأن تُحسم في نهاية الأمر لصالح طرف على طرف، فلا يعجبها من الآراء إلا تلك التي تأتي متوافقة مع رأيها، وتُصوّر كل خطوة تخطوها الوزارة على أنها إبداع ما بعده إبداع، وإنجاز ما بعده إنجاز، وكأن بقية الأصوات المعارضة لقراراتها تعمل على التحريض! وهل أسوأ من أن تتحطم أحلام الطلبة بتفاسير لا يفهمها أحد، ولا يقتنع بها أحد، ولا التعليم العالي نفسه!

كان يمكن التعامل مع قضية إلحاق الطلبة الدارسين على حسابهم في الخارج على أنها وجهة نظر، قابلة للأخذ والرد والقبول والرفض، بين فئة ترى أنها ظُلمت بإضافة شروط جديدة عليها بعد أن اتخذت قراراتها بناء على شروط معينة ووعود سابقة، ووزارة ترى أنها دخلت في مرحلة ثالثة لبرنامج الابتعاث، وليس لها ذنب بوجود طلبة عالقين، مع أن الحكم في ذلك أوضح من مكان طلوع الشمس! إلا أن الأمر الملكي الكريم قد حسم هذا الخلاف، وما عدنا بعده ننتظر سوى توقيت إلحاق الطلبة الدارسين على حسابهم في الخارج بالبعثة، لتأتينا أخبار صادمة من طلبة يعيشون الإحباط بأعلى درجاته لأن طلبات إلحاقهم قد رفضت، والواقع أننا ذهلنا مثلهم وأكثر منهم، فلا ندري كيف يمكن لقرار واضح أن يقابل بتلكؤ وتردد من قبل وزارة التعليم!

ما يجب أن يعرفه إخواننا في وزارة التعليم أن هنالك فارقا كبيرا بين ما يأتي كـ"حق"، وبين ما يأتي كـ"مكرمة"، فالأول معناه أن الطالب قد استوفى جميع الشروط واستكمل جميع المستلزمات، أما الثاني فمعناه أن هنالك نقصا في الشروط أو قصورا في المستلزمات، أي أن الطلبة الدارسين على حسابهم في الخارج سيُلحقون بالبعثة في جميع الحالات، فمن لم يُلحق وهو مستوفٍ للشروط سيلحق جبرا بالأمر الملكي الكريم.

إننا حين نقف ضد قرار ما فلا يعني ذلك أننا نقف ضد تلك الجهة أو الوزارة، لأننا لا ننحاز لغير ما تمليه عليه ضمائرنا، وما نعتقد أنه الأصلح لوطننا بغض النظر عمّا يسببه هذا الموقف من رضا الراضين وسخط الساخطين، فإن بمقدورنا أن نُجامل فيما هو خاص بنا، لكننا لا نستطيع المجاملة على حساب غيرنا، كما أنه ليس من مصلحة أحد أن تفقد وسائل الإعلام مصداقيتها أو قيمتها وتفاعل الناس معها واحترامهم لها، إلى درجة أن أحد المغردين كتب تغريدة يؤيد فيها معالي الوزير على (تطنيشه) لوسائل الإعلام قائلا: (أنت في الطريق الصحيح يا معالي الوزير #وظيفتك_وبعثتك الإعلاميين لا يهمونك لو تعزمهم في استراحة على خروف بربري غيروا رأيهم..)، ولن أعلق على تعامل معالي وزير التعليم مع هذه التغريدة، لكنني متأكد أن الطلبة لو لم يفقدوا الأمل لما اضطروا إلى التجمع أمام مبنى السفارة السعودية في واشنطن للمطالبة بتفعيل الأمر الملكي الكريم من أجل إلحاقهم بالبعثة.