عندما تقوم بجولة سريعة لتطالع ما كتب في أعمدة الصحف تجد التباين في ثقافة الطرح والتناول من الكاتب نفسه ما بين قوة وضعف وعمق وبساطة وسهولة وتعقيد، فبعضهم فضّل الأسلوب الموضوعي في قالب ساخر أو جاد، وآخر فضّل الأسلوب النقدي المتعجرف المتضمن التهكم والتجهيل والتسفيه، وثالث تناول الموضوع بأسلوب تهويلي من جهة التنظير والتخيل والتوقع. وطرائق الكتّاب في النقد عائدة إلى أسرار تلك الشخصية وثقافتها وطبيعة الموهبة التي ولدت معه ونشأ عليها، وكمية معدل الثقافة التي يختزنها في ذاكرته ووعيه، ويعود أيضا إلى سعة إلمامه بالموضوع محل الطرح والحديث، وكما يقال (عندما تعرف أكثر ستكتب أفضل)، لذا فإن أحقية النقد تكون أكبر عندما تعرف أكثر، وتكون أحقية النقد أقل عندما تعرف القليل.

تباين الكتّاب يناسب تباين القرّاء، فهناك القارئ الذي يميل إلى أسلوب النقد العنيف القاسي، وآخر يجذبه النقد الموضوعي، ومنهم من يتفاعل مع النقد الإيقاعي الساخر السريع السلس الموجز، ورابع يفضل النقد المفند الطويل المدبج والمزود بالمعلومات والأدلة وهكذا..، فمقابل كل أسلوب قارئ متفاعل ومتابع، ويتبع ذلك أن مشارب الكتّاب في النقد تختلف كثيرا من جهة التركيز على الخطأ نفسه أو المخطئ الفاعل أو الأسباب الرئيسية للخطأ أو مخاطر الخطأ مستقبلاً، وقدرة القارئ في التمييز بين تلك المشارب والأساليب الكتابية تساعده في الارتقاء بأسلوب النقد الشخصي في حواراته وأحاديثه وكتاباته، فهناك الكاتب المتخصص في نقد موضوعات اجتماعية حساسة، ويسعى إلى حب الظهور والمخالفة التي تقوده إلى الشهرة، وهناك الناقد البارع المتخصص في تحليل الحوادث وإعادة قراءتها وتوليد الأفكار المبدعة، ويوجد الناقد الذي يتبنى أفكار كتاب آخرين.

مشارب الكتّاب في النقد تقود إلى التساؤلات التالية: هل التباين في النقد واختلاف الكتّاب في الأساليب قام بدوره في معالجة القضايا الخدمية والاجتماعية؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فكيف؟ وإذا  كانت الإجابة لا، فلماذا؟ وما هو الأسلوب الذي يفضله المستهدفون من ذلك النقد؟ وهل لدينا إحصاء يوضح مدى تفاعل الأجهزة الحكومية مع ما يطرح في الصحافة؟ وما دور رؤساء التحرير في تحسين الأساليب النقدية في الصحف التي يعملون فيها؟ وكيف يتم تطوير النقد في الكتابة الصحفية، بحيث يركز على الخطأ أكثر من المخطئ؟

أسئلة للتأمل: تجدون إجاباتها بين أسطر المقالات وأقلام الكتّاب ومضامين أفكارهم النقدية.