الأسبوع المنصرم حمل أخبارا سيئة للنظام الإيراني، فخلال أقل من 10 أيام خسرت إيران 6 شخصيات من صفوة الحرس الثوري وقياداته، كانت تشارك في المعارك القائمة في سورية. النظام الإيراني يؤكد أن مشاركة عناصر الحرس الثوري تنحصر في تقديم الاستشارات لجيش بشار الأسد والقوى الأمنية المرتبطة به، إلا أن واقع الأمر يقول غير ذلك، والشواهد والدلالات أكثر من أن يتم سردها في هذا المقال.
لقد تورطت إيران في المستنقع السوري على أصعدة عدة، فهناك الاستنزاف الهائل للموارد المالية، خلال العبء الذي يمثله نظام بشار الأسد على إيران، إذ يقدر حجم الدعم الإيراني للنظام السوري قرابة 150 مليار دولار، كما أن إيران خسرت كثيرا دبلوماسيا وسياسيا وشعبيا، وأصبحت صورتها حالكة السواد بين معظم المجتمعات والشعوب في المنطقة.
الأخطر من ذلك كله تورط قواتها، ممثلة في الحرس الثوري و"فيلق القدس" تحديدا، علاوة على الميليشيات التابعة لها والقادمة من لبنان والعراق واليمن، في الصراع السوري والإسهام في إبادة الشعب، خلال الاصطفاف إلى جانب النظام الدموي.
من جانب آخر، دخلت روسيا مؤخرا على خط الصراع في سورية، ورمت بثقلها العسكري والاستخباراتي، بأمل إنقاذ بشار الأسد بعد أن أصبح على حافة السقوط.
قد يحمل هذا التدخل شيئا من الأمل والمبشرات للنظام السوري إلا أنه تحول إلى نذير شؤم على القوات الإيرانية في الداخل السوري. فمع تدخل روسيا عسكريا في سورية وقيامها بطلعات عسكرية تحت مزاعم محاربة تنظيم داعش "تستهدف في واقع الأمر المقاومة الشعبية السورية المناهضة للنظام السوري"، نجد أن إيران أيضا تضررت بشكل مباشر أو غير مباشر من ذلك. فإذا ما أردنا توسيع دائرة القراءة للمشهد السوري بعد التدخل الروسي، واستعراض التحليلات المختلفة لدوافع ذلك في هذا التوقيت تحديدا، خصوصا مع تقدم ملحوظ على الأرض للمعارضة السورية، وتقلص حجم المناطق التي يسيطر عليها النظام، يرى البعض أن تدخل روسيا عسكريا في سورية كان بسبب إدراكها فشل إيران في حماية الأسد، وكذلك عدم نجاحها في المحافظة على المناطق الحيوية والاستراتيجية في البلاد.
من المؤكد أن روسيا تهدف من وراء تدخلها العسكري هذا إلى حماية مصالحها، والمحافظة على آخر نقاط نفوذها في الشرق الأوسط، وهذا ربما يتقاطع مع الأهداف الإيرانية في سورية أيضا، بحكم موقعها الجغرافي وأنها تشكل حلقة الوصل جغرافيا مع حزب الله، ذراع طهران في لبنان، إلا أن الجانب الإيراني يستخدم أدوات ووسائل تقود نحو تفاقم الصراعات في المنطقة، من ذلك التركيز على البعد الطائفي والأيديولوجي.
من هنا، يثير كثيرون سؤالا يتمحور حول: هل تهدف روسيا بالفعل إلى إضعاف قوة إيران في سورية، وبالتالي تحجيم دورها السياسي والعسكري هناك، وعليه اعتبار موسكو قد تخلصت بشكل أو بآخر من عدد من رموز الحرس الثوري في سورية خلال فترة وجيزة؟
من جانب آخر، خرجت تسريبات وتحليلات قبيل بدء سلسلة خسائر الحرس الثوري الإيراني في سورية تحدثت عن خلافات حقيقية وعميقة بين ضباط إيرانيين عدة، من بينهم العميد حسين همداني المعروف بتميزه في حرب العصابات وإخماد الانتفاضات والحراك الشعبي، وقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني. تتمحور هذه الخلافات، وفقا للتسريبات، حول أسباب فشل القوة الإيرانية والميليشيات التابعة لها في سورية في ترجيح الكفة لمصلحة النظام بشار والهزائم على جبهات عدة في الداخل السوري، ومعارضة الضباط الإيرانيين لأي تدخل عسكري روسي في سورية، ورفضهم توجيهات سليماني وأوامره بالتعاون مع الروس.
بسبب هذه التسريبات اتجه البعض نحو نظرية المؤامرة وقيام سليماني بالتواطؤ مع الروس أو التخلص منهم بطريقة أو بأخرى، واستبدالهم بقياديين جدد لضمان استمرار السياسة الإيرانية تجاه سورية.
بعيدا عن هذا كله، وبغض النظر عن دقة هذه السيناريوهات المطروحة من عدمها، الواقع يقول إنه على المستوى الداخلي الإيراني، سيكون استنزاف إيران ماليا وعسكريا في معركة بعيدة عن حدودها الجغرافية، ولا تشكل خطرا على الأمن القومي الإيراني، وفي ظل استمرار تساقط صفوة القيادات العسكرية، سيكون مثيرا للتساؤلات بين نخب المجتمع الإيراني، خصوصا أن الآمال حاليا معقودة على رفع العقوبات وتحسن المستوى المعيشي للمواطن، إلا أنه في ظل استمرار هذا الاستنزاف وخسارة الكوادر القيادية المدربة، وحديث الرئيس الإيراني عن الحاجة إلى وقت ليس بالقصير لتعافي الاقتصاد المحلي؛ فإن هذه الآمال الشعبية ربما تتبخر سريعا، ما ينعكس سلبا على المواطن، وبالتالي تتزايد التساؤلات الموجهة نحو النظام السياسي في ظل غياب إجابات شافية ومقنعة للداخل قبل الخارج.