ربما يرغب الأساتذة الجامعيون أن يخبرونا بمجموعة من الحقائق، لكن لا يمكن بحال من الأحوال أن تخلق تلك الحقائق معايير، إنما حقيقة الإجماع العلمي هو ما يحسم النقاش.

في عدد من القضايا لا يمكن أن توجد مناقشة عقلية حقيقية، منها على سبيل المثال، قضية العنف المسلح.

فإذا أردنا أن نضع حدا للعنف المسلح أو المجازر، علينا إذًا أن نسن قوانين تحد من عدد الأسلحة الخاصة في أيدي الناس، وإحدى تلك القضايا أيضا هي قضية تغيُّر الُمناخ،

فهي أمر واقع، ونحن نتسبب فيه، وعلينا أن نبذل ما في وسعنا لإيقافه.

وما يمكن أن نفعله بصدد تلك القضايا العقلانية ومثيلاتها، هو مناقشتها بشكل علمي. لكن هناك بعض المواضيع الأخرى حيث المناقشة العقلية العلمية ليست ممكنة أصلا، فضلا عن أنها قضايا متصاعدة ومتجددة ومتطورة بشكل مطرد، وتشكل تحديا لتوفيق معتقداتنا مع تعاطفنا، وولائنا الحزبي مع مبادئنا، وتوحيد سياستنا مع فلسفتنا.

تُعدّ قضية "الحرية والحجاب" إحدى تلك النقاشات التي تؤرِّق وطني "كندا" في الوقت الراهن. نشأ الخلاف القائم في الحملة الانتخابية جراء قرار الحكومة المحافظة بحظر ارتداء النساء النقاب في الاحتفالات الوطنية، وهو حجاب يغطي وجه المرأة، لكنه لا يغطي كامل الجسد.

تحدَّت امرأة باكستانية الأصل تدعى زونيرا إسحاق هذا الحظر في 2014، وصدر الآن حُكم المحكمة الفيدرالية ومحكمة الاستئناف الفيدرالي لمصلحتها. وصرحت حكومة ستيفن هاربر أنها تعتزم استئناف الحُكم أمام المحكمة العليا، وأضحت القضية برمتها القضية الكبرى للحملة الانتخابية.

قضية الحق في ارتداء النقاب سواء في الاحتفالات العامة أو المناسبات العامة هي قضية قوية، فميثاق كندا للحقوق والحريات سيُفَرغ من محتواه إذا لم تحظ المرأة المسلمة بالقدر نفسه من الحرية في ارتداء ملابسها الدينية، كما المرأة والرجل من الديانات الأخرى؛ كاليهودية أو الأرثوذكسية أو الكاثوليكية.

وينبغي أن يحظى المسلمون بالحقوق نفسها التي تتمتع بها جميع الطوائف الدينية الأُخرى، وإذا خضعت ملابسهم أو ممارساتهم الدينية لأي نوع من الرقابة الخاصة، سيكون ذلك انتهاك حق من حقوق الإنسان الأساسية.

يقول أحد الكتاب: إن قرار امرأة ناضجة مثل زونيرا إسحاق بتغطية وجهها في الاحتفالات العامة، هو قرار امرأة ناضجة واحدة.

أما عن موقف الليبرالي جاستن ترودو الذي قدَّم والده ميثاق الحقوق والحريات لكندا في الثمانينات من القرن الماضي، فيقول: "سأستمتع حقا بفرصة الحديث عن أن كندا دولة مبنية على أساس احترام الحقوق والحريات".

وفي أحد تصريحاته يقول ترودو: أَدرك والدي أن أحد نقاط القوة العظيمة التي تتمتع بها كندا، هي أننا حقا نحمي حقوق الأقليات، ونحمي الحقوق الفردية. وأضاف "من المؤسف أن لدينا رئيس وزراء الآن "ستيفن هاربر" اختار مهاجمة نساء ضعيفات، باعتبارها وسيلة لكسب الأصوات وتحريض الرأي العام ضدهن".