الأشخاص ليسوا دائما كما يبدون لمن حولهم، هذه حقيقة يدركها فقط من لا يحكم على الناس بالمظاهر، وهم قلة للأسف في هذا العالم الذي أصبح الجميع يقيّم ويصنف وفق الأهواء السطحية.
لدي صديق مهتم بالتمور بأنواعها وتاريخ إنتاجها وتصنيعها وتوزيعها عبر العصور، وقد ألف كتابا باللغة الإنجليزية جمع فيه ملخصات دراسات وبحوث قديمة وجديدة عن هذه الفاكهة المتجذرة في منطقتنا العربية، المفارقة هنا أن هذا الصديق ليس سعوديا تقليديا ولد وترعرع في منطقة إنتاج التمور كما يتصور البعض، بل هو أقرب لمواطن عالمي، فهو من أصول غير عربية ودرس وترعرع في دول غربية عديدة ولكنه مؤمن بسعوديته وبأهمية هذه الفاكهة باعتبارها غذاء له جذوره الثقافية والدينية، ومنتجا محليا يمكن اعتباره من أهم المصادر الغذائية الإستراتيجية للوطن.
صديق آخر عندما يحدثك باللغة الإنجليزية قد يتبادر للذهن أنه من أصل أميركي، وعندما تناقشه في بعض الأفكار الجدلية في مجتمعنا السعودي كحقوق المرأة والطائفية ستسمع منه ما يخيل لك أنه من دعاة الليبرالية والعياذ بالله كما سيقول البعض، إلا أنك لن تتمكن من الالتقاء به عندما يحين الضحى، فالعمل والاجتماعات تتوقف لأن وقت صلاتها قد حان، فبالنسبة لصديقنا هذا تعتبر صلاة الضحى بذات أهمية الفروض، فالدين بالنسبة له أسلوب حياة لا طقوس ومشاعر أوتوماتيكية.
إذاً هل يمكن أن نحكم على هذين الصديقين بأنهما غير سعوديين أو أنهما لا يستحقان الاحترام فقط لأنهما في بعض ما يطرحان يختلفان عن السائد والمعتاد في مجتمع يعتبر الاختلاف مذمة؟! هل يمكن وصف الأول بأنه "طرش" والثاني بأنه "متأمرك" لأنهما يظهران للعيان مختلفين عن الشكل المعتاد، فصاحبنا راعي التمور يجب أن يكون من منطقة معينة والأميركي لا بد أن يتحدث الإنجليزية بلكنة محلية مكسرة.
في صغري كان البعض ينعتني بالإيطالي لأن والدتي ولدت وترعرعت هناك، كبرت ولم أشعر أبدا أني إيطالي رغم إجادتي اللغة، وربما اعتبر البعض أن تشجيعي للمنتخب الإيطالي حامل كأس العالم أربع مرات يجعلني "إيتاليانو" صميم.
اليوم يواجه كل مختلف العداء من ذوي الأفكار المتحجرة، حتى أصبح النقد في حد ذاته مستهجنا باعتبار أن الولاء يعني المدح بالضرورة، ونسي هؤلاء أن المزايدة في المواطنة لمجرد التباين في الأفكار ما هي إلا فاشية جديدة، فالرأي منبعه عقل خلقه الله ليكون وسيلة تفكير وتغيير وتجديد.