يوصف الفن بأنه القوة الناعمة التي تقدر على تغيير شيء من الواقع، إلا أنه حسب عدد من الفنانين الذين تحدثوا إلى "الوطن" لم يبرح مكانه ولم يطور من قضاياه التي لا تتعدى الجانبين الاجتماعي والكوميدي، فيما أكد البعض منهم أن الفنون بكل أشكالها وخصوصا الدراما لم تعط الفرصة لمعالجة قضايا الإرهاب والتطرف.
أهمية السيكودراما
يقول الممثل والمؤلف الدكتور راشد الشمراني: لا بد أن تتحرك الدراما لمواجهة التطرف، ويمكنها أن تعالج هذه القضايا باستخدام الدراما النفسية أو ما يعرف بـ"السيكودراما"، معتبرا أنها طريقة نشطة للوصول إلى أعماق النفس، كما أنها طريقة حية للوصول واكتشاف عوالم النفس.
وأكد الشمراني أن الفن الدرامي بشكل عام يمكنه أن يقدم تجارب مؤلمة، ويتعامل معها في جو آمن يمكن المشاهد من متابعتها، مشيرا إلى أنه يمكن استخدام الدراما على المستوى العلاجي، كقسطرة الذات المرتكزة على تشكيل جديد للسيكودراما من حيث التخيل واستخدام تقنيات المسرح، وبالتالي الأدوار والكرسي الخالي والمناجاة والمرآة، وكلها تقنيات علمية منهجية، أسسها رائد هذا النوع من العلاج، ونتائجها جيدة ومشجعة.
مواجهة الفكر بالفكر
يعتبر الفنان والكاتب خالد الحربي أن الفن السعودي لم يقدم ما يسهم في القضاء على الإرهاب ونبذ التعصب، معتبرا أن الإرهاب فكر ولا بد من مواجهته بالفكر أيضا. وأضاف في تصريحه إلى "الوطن"، أنه لمواجهة أي فكر يجب أن ندرسه جيدا ونضرب أسسه الفكرية في مقتل، لافتا إلى أن ذلك غير متوفر في الجهات المسؤولة عن الفن في المملكة، إضافة إلى أن مواجهة الإرهاب بالفن تحتاج إلى الاستمرارية.
ووصف الحربي الفنون بـ"القوى الناعمة"، وهي ذات تأثير على المدى البعيد في توعية وتوجيه سلوك وفكر المجتمع، متهما من يكتب وينتج ويخرج بأنهم لا يتمتعون بالثقافة الفنية اللازمة والوعي اللازم بقضايا الوطن. وعن دور المسرح، أكد خالد "هو أيضا فشل في محاربة الإرهاب والتطرف، ولم يقدم شيئا ملموسا، وهذا من مسؤوليات الجهات المسؤولة عن الثقافة في البلاد أولا، وثانيا من مسؤولية الفنانين، وحتى يعوا دورهم لا تطلبوا من المسرح أو غيره من الفنون أي تأثير".
أعمال مرفوضة
يطرح الممثل إبراهيم الحساوي مثالا على أن هناك من يرفضون الأعمال التي تحارب التطرف، وهو مسرحية "وسطي بلا وسطية" التي تعرض فيها فريق العمل إلى هجوم من قبل المعارضين، وذلك في ليلة عرضها. لكنه في الوقت ذاته، يعتبر الفنون بأنواعها مقصرة في معالجة هذه القضايا وإن كانت بعض الأعمال قد تطرقت إليها مثل "طاش ما طاش" ومسلسل آخر بعنوان "أسود وأبيض" الذي لم يخدم بشكل جيد، على حد قوله.
من جانبه، أرجع الممثل أسعد الزهراني تقصير الفن في القضاء على الإرهاب والتطرف إلى افتقار العمل الإعلامي العربي إلى الجدية، مما جعله مجالاً للتجارب والهواية، وأن أجهزة الإذاعة والتلفزيون في الخليج تتعامل مع الإرهاب بالأسلوب التقليدي.
وأشار إلى أن الحكومات بمفردها لا تستطيع التعامل مع الإرهاب من الناحية الفكرية، وإنما لا بد من تدخل الفنانين والأدباء والمفكرين، مشيرا إلى أن حلقة داعش التي عرضت في مسلسل "سيلفي" كانت من أهم الحلقات تأثيرا في المجتمع.
الفن نقيض التطرف
يعتقد رئيس الجمعية العربية للثقافة والفنون سلطان البازعي أن "الفن لم يعجز عن القضاء على الإرهاب، بل كان دائما هو النقيض للتطرف الفكري وللعنف في التعامل مع الآخرين، لكننا كمجتمع لم نعط للفن الفرصة لمواجهة التطرف، وأعتقد جازما أنه لو أتيحت هذه الفرصة وأعطي هذا الدور لتمكن من تحقيق نتائج طيبة".
وقال إن من الضروري وجود الفن في حياة الشباب خصوصا عن طريق التعليم المنهجي، وذلك سيكسبهم القدرة على التفكير الإبداعي الحر ورفض القوالب الفكرية الجامدة، وأيضا امتلاك أدوات الإبداع والتفوق في مختلف العلوم. وعن دور جمعيته في مكافحة التطرف، قال البازعي "إنها لا تمثل كامل المشهد، ولكن يمكنها أن تكون عضوا فاعلا في فريق من عدة جهات ومؤسسات، ذلك أن الانتشار الجغرافي للجمعية وحضورها في جميع مناطق المملكة وارتباطها بفئة الشباب يمكنها من القيام بهذا الدور الوطني المهم، والأهم من ذلك أن تكون لدينا استراتيجية واضحة المعالم والأهداف".