أحد أساتذتي في الجامعة كاتب وروائي في الأصل، لذا يستهويه مغادرة موضوع الدرس وأخذ آرائنا في ما ينشر في "الميديا"، وفي إحدى المرات كان الحديث عن السعودية فبادرت أنا بمناقشته حتى احتد النقاش ولم يجد طريقة للفكاك مني سوى القول: لماذا تدافعين عن السعودية وأنت عراقية؟ تطلعت نحوه بدهشة وقلت: أنا سعودية.. ليلتفت نحو الطلاب الذين أكدوا له ما قلته، فيما بعد شرحت له أننا في النهاية ننتمي لنفس الدم وننتهي عند نفس الجد، وأننا دائما كنا نؤمن أن العراق يحرس بوابتنا الشرقية وأظن غيرنا كان يعرف ذلك أكثر منا، لذا أسقط البوابة ليسهل عليه تدميرنا.
لم يعد العراق يحرس نفسه، فلقد فتح الأبواب لأميركا وإيران، بل إن بطل الميليشيات الشيعية أبو عزرائيل ظهر يستجدي روسيا للدخول هي الأخرى بذريعة "داعش"، وهو نفسه بالمناسبة من ظهر محتضنا أحد الحوثيين وهو يعده بدخول المملكة وهزيمتها منذ أشهر بسيطة، وهذه قصة مضحكة أخرى عن البطولات الوهمية التي يخوضها أبو عزرائيل وإيران وليس آخرها ادعاء تحرير بيجي 20 مرة بينما عناصر داعش تتجول فيها بدبابات وجيوب الجيش العراقي!
ثمة أكاذيب تملأ سمع العراق وتشده عنا في كل يوم مسافة قهر وإذلال، ولو أن العراق بقي عراقاً لما حزنا عليه، فدول الخليج تتقدم، وجيوشها أصبحت تعد أكثر جيوش المنطقة تسلحا ورجالا، ونحن في الخليج نملك من الحزم ما يجعل غيرنا يهابنا، خاصة النمر الورقي الإيراني الذي يذكر جيشه جيداً "خط فهد" وهو خط وهمي في سماء الحدود مع العراق وضع أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وسبق للإيرانيين تجربة عقوبة تجاوزهم عندما أسقط الطيران السعودي طائرتين إيرانيتين.
في الواقع لدى الخليجيين اليوم خط سلمان، وهو يسمى الحزم، وشاهد العالم كيف نقض الحلم الإيراني في اليمن حجرا حجرا.
لكن المحزن لنا كخليجيين هو تصديق بعض العراقيين لترهات الإعلام الإيراني، من أننا نريد هدم العراق، وفي كل نقاش معهم نجدهم يؤكدون هذا الشعور، ولأنهم يرددون أكاذيب الدعاية الإيرانية فتجدهم ينسبون لنا صناعة "داعش"، وكيف نصنع "داعش" وهو يفجر في مساجدنا، ويكفر أنظمتنا، ويحاول اغتيال رجال أمننا، ويخطط للقيام بأعمال إرهابية أخرى جرى كشفها والقبض على عناصرها؟! كما أنه لا يوجد رجل واحد في قيادات داعش خليجي بل إن كل ما يظهر الآن يؤكد تورط إيران في صناعة داعش، التي تساءل عنها عادل الجبير أمام العالم: لماذا إيران هي الكيان الوحيد في العالم الذي لا يعاني من داعش رغم أنها لا تبعد عنه سوى بضعة كيلومترات؟! بل إن وزير العدل العراقي تحدث عن إطلاق السجون وإخراج إرهابيي "القاعدة"، وعندما سأله المذيع من أطلقهم؟ اكتفى بالابتسام.. فمن أطلق هذه الكلاب الضالة على العراق؟ بل من أشعل الطائفية وجعل العراق يتناحر؟ السعودية أم إيران؟
الأشد دهشة أن يقول لك عراقي أن إيران تساعدنا، ليجد الرد بسؤال: بماذا ساعدتكم بالضبط؟ بسرقة ألف مليار من النفط العراقي ليمولوا برامجهم التخريبية في العالم ويئن ابن أغنى دول العالم بالنفط من الجوع؟
أين الأمن الذي وعدت إيران به العراق وقد رأينا قاسم سليماني وهو يلتقط الصور مع رجال العراق وهم يقبلون رأسه وهو يتجول في الشوارع الخلفية في بغداد لأنه غير قادر على السير في الشوارع الرئيسة؟
الغريب أنه على الرغم من أن السعودية ودول الخليج تشارك في ضرب "داعش" مع قوى التحالف إلا أن العراقيين لا يسمعون الكثير حول ذلك، بل لا تصلهم أخبار حرب السعودية مع داعش أو الإجراءات التي اتخذتها المملكة للقضاء على داعش أو القاعدة أو مسلسل حروب المملكة مع زعماء التكفير والطائفية.
هناك تعتيم على مواقف السعودية من وحدة العراق وأمنه، ليظل العراقي يظن أن منقذه الوحيد طهران، لذا فإن العراقي -تحت هذا التأثير الفارسي- ينسى الدم الذي يجمعنا والمستقبل المعتم الذي ينتظره بدوننا.
لو كنت عراقيا لتمنيت جهدا أكثر من دول الخليج لأعلم حقيقة موقفها تجاهي، وتأكيدا يوميا للمساندة ضد الإرهاب، ولتمنيت أن تمد السعودية والخليج يدها لي أكثر، فلا زال في العراق من ينتصر لعمقه العربي وليس للمرجع الفارسي، بل إن هناك آخرين من رجال العشائر ومن الذين أيقنوا من إفلاس إيران، لكنهم ينتظرون رسائل واضحة منا نحن الخليجيين، حكومات وشعوبا.