وبعد 29 عاماً من الطوبة الأولى، تكتشف بعض وسائط الإعلام، وعلى رأسها قناتنا السعودية الأولى أن مواطناً سعودياً هو من بنى وتبرع بمركز الملك فهد لأورام الأطفال في جوار مستشفى الملك فيصل التخصصي. سلّطت القناة بعضاً من ضوئها على الفكرة، مطلع هذا الأسبوع، حتى إن معالي الوزير سارع لزيارة المركز، وسأتحدث اليوم عن شراكة الإعلام مع الأفكار النبيلة وكيف من الممكن أن يكون الضوء الإعلامي دافعاً لعشرات المحسنين.
حين ابتدأ الدكتور ناصر بن إبراهيم الرشيد تمويل وبناء مركز الملك فهد لأورام الأطفال بالرياض في عام 1982 كان الواقع يومها يشير لحقيقتين: الأولى أن فضاءنا الإعلامي يومها لا يتسع لأكثر من قناة واحدة لا تصل لثلث المملكة ولعله لهذا كان محظوظاً وهو في طبعه يتحاشى الضوء الإعلامي على المنجز الخيري. الثانية أن الكثير لا يعلم أن هذا المركز المتخصص في أورام الأطفال كان ثاني مركز في كل الكرة الأرضية وكان أيضاً، الأول من نوعه خارج الولايات المتحدة. ومن أجل – أن تبدو الصدقات – سأقول لناصر الرشيد إن استراتيجية الكتمان التي كانت ربما صالحة قبل ثلاثة عقود لم تعد تصلح للزمن. من حق عشرات المحسنين أن يعرف المجتمع من حولهم فضلهم وإسهاماتهم في المسار الإنساني ولهم كامل الحق أن تخلد أسماؤهم على ذاكرة الطريق الطويل ولو أن الإعلام يشحذ ميدان المنافسة بين القادرين المحسنين لكنا بالتأكيد اليوم في وضع تنافسي أفضل. وفي نهاية التسعينات كنت في زيارة طفل لصديق عزيز يتلقى جرعة العلاج في المركز، بعاليه، وكان طبيبه يومها يقول لي: انتبه فالفكرة لناصر الرشيد. هذه هي الحقيقة التي لابد أن تعرفها آلاف الأسر السعودية التي أخذها القدر إلى بوابة هذا المركز، ومن حسن الحظ، أن الاسم المخيف – لأورام الأطفال – هو من أكثرها شفاء وقدرة على السيطرة والتماثل لنسبة شفاء جداً جداً مشجعة. وبزعمي، وقد أكون مخطئاً، أن الفكرة تلك كانت بواكير الشراكة الاجتماعية لرجال الأعمال في عمل إنساني ضخم، ثم لاحظوا أننا نتحدث عن فكرة من عام 1982. عن فترة من الزمن، كانت كفيلة بطمس كل معالم البذرة الأولى فأنا متأكد أنه حتى بعض كبار العاملين بالمركز اليوم لا يعلمون شيئاً عن تاريخ الورقة الأولى التي طالما غرزت وغرست بذرة أمل لآلاف من الأطفال وبعضهم أصبح اليوم على مشارف الثلاثين بفضل من الله بعد فضل فكرة نبيلة.