أحمد دماس مذكور


لعل أصعب ما يعاني منه الإنسان في أي بلد كان، هو الفساد بكل أنواعه وتوجهاته، خصوصا في البلاد النامية. ففي منطقتنا تسبب الفساد في تأخر وتخلف الإنسان والمكان.

وفي تتال مرتب ومنتظم لتحقيق معرفة فاضلة وهدف نبيل، فإن الاعتراف بخطأ أي حدث أو موضوع أو فكرة، وفشله في تحقيق الإنجاز أو الهدف، كمعرفة نتوصل إليها خلال فشل واقع ملموس مُجرّب، فهو حتما سيؤدي إلى تغيير هذا الخطأ، لأنه طالما لم نعترف بفشل تلك المعرفة، فستضل كما هي، ولن نحقق أي نجاح في محاولة علاجها، بل ربما ستتطور إلى نتائج سلبية وسيئة تنعكس على حياة مجتمع بأكمله، وتتسبب في تأخره، وتعطل تنميته.

وعندما نعترف بخطأ تلك المعرفة، فإننا سنبحث عن معارف أفضل وأمثل وأدق لاستبدالها وعلاج ذلك الأمر، وبالتالي سنوجه الجانب المعرفي الجديد نحو تطبيق سلوك أفضل للحصول على نتائج أجدى نفعا.

ولكن معظم العرب والمسلمين لا يريدون تغيير بعض معارفهم حتى لو أثبت الواقع خطأها، بل من الاستحالة الاعتراف بعقم تلك المعرفة مهما دللت وبينت ومنطقت، ومهما ثبت صحة خطئها من واقع حياتهم وبنتائج معارفهم، فمن الصعب تغييرها، بل بالعكس يلجأ معظمهم إلى اللف والدوران والتعنت وتغيير محور المعرفة، حتى يضيع ويُضيّع أصل تلك المعرفة.

فمن الحكمة أن نطبق مبدأ هذه الحكمة: "معرفة فاضلة تساوي نتائج نبيلة".

ولكن ما المعرفة المدمرة والمتسببة في تفشي الفساد، والتي توارثت وتطورت وامتدت حتى لامست واقع السلوك اليومي لأفراد المجتمعات العربية عامة؟

فقد بدأت بعبارات معرفية، لعب جهل التحصيل المعرفي دوره في توارثها وأضحت أعرافا واعتقادات شخصية وحتى عادات فردية، رسمت سلوك الفساد على جبين الفاسدين فقط، وخطت مفردات الجهل على سلوكهم، فقد توارثت عبارات بلورت الفساد كحجج نفسية لإسكات ضمائرهم، وإيجاد طريق لاستمرار ممارسة الفساد، مثل: "فلوس الدولة، نحن لا نسرق أحدا وإنما هي أموال الدولة، ما أخذت من جيبك شيء.. إلخ"، وهي بدايات الفساد المعرفي والجهل التحصيلي الذي بسببه تطورت آليات الفساد لديهم، ولعلاج تلك المعارف وتبعياتها وما تمخض عنها فلنناقشها بشكل منطقي.

فقد تعددت أنواع الفساد، واختلفت أساليبه، واتسعت رقعته، وشاع بين ضعاف النفوس، فأولئك الذين يسرقون أموال مشروعات تنموية وخدمية تنفع الناس، وترفع مستويات العيش الكريم، وتسهم في أمن بلدهم وراحة أبنائه، ورغد عيشهم، وصحتهم، وتعليمهم بشكل أفضل بما يواكب تطلعاتهم، وتطلعات حكومتهم، وتسهم حتما في رفعة وحضارة ومجد الوطن، لا يسرقون تلك الأموال فحسب، ولكنهم يسرقون المنفعة التي ستعود على الشعب من تلك المشروعات.

فمَن يسرق أموال مشروع بناء مدرسة أو منشأة تعليمية، أو يختزل منها أو يحد منها، هو لا يسرق مالا فحسب، وإنما يسرق أحلام طفل، وثقافة جيل، وجهد أب، وفرحة أم كان ابنها سيصبح يوما طبيبا أو مهندسا أو عالما، يخدم أهله ووطنه.

ومَن يختلس أموال مشروع بناء مستشفى أو صرح صحي أو يحد من منفعته، لا يختلس تلك الأموال من ذلك المشروع فحسب؛ وإنما يختلس عافية شعب، وصحة طفل، وقوة شاب يتوق لأن يبني وطنه.