للمرة الأولى ومنذ عقود تبدو مدينة النور "باريس"، شبه خاوية من سكانها، بعد أن ألقت حالة الطوارئ الاستثنائية والمتوافق عليها بعد الهجمات الأخيرة بظلالها الثقيلة على الفرنسيين.

وسادت شوارع العاصمة، حالة قريبة من حظر التجول، مع بد قمة المناخ، وفضل السكان البقاء في منازلهم بعد أن ناشدتهم الحكومة بتوخي الحذر، وعدم الخروج إلا للضرورة، وعبر المواصلات العامة التي أُتيحت مجانا، كما انتشرت حركة مرور "معقدة جدا" في شمال باريس، وفي داخل العاصمة وضواحيها، وتم إغلاق الطرق وتعديلها لتتناسب مع حركة رؤساء الدول.

وفي إحدى جادات شرق باريس، مرورا بقاعة باتاكلان، حيث قتل 90 شخصا من أصل 130 خلال الاعتداءات الدامية التي شهدتها باريس في الـ13 من نوفمبر الماضي، شكل نحو 4500 ناشط سلسلة بشرية تحية لضحايا المجزرة، واحتجاجا على حالة الطوارئ المنافية للحريات، وحظر مظاهرة حول المناخ عشية القمة، وتذكير العالم بأن المناخ هو، أيضا، في "حالة الطوارئ"، إلا أن الرياح سارت بما لا تشتهي السفن، وبدل تحية ضحايا المجازر الإرهابية الأخيرة والتظاهر الناعم، تحول المكان إلى مسرح لاشتباكات حادة بين الناشطين وشرطة مكافحة الشغب. وحسب وزارة الداخلية الفرنسية، وبعد نحو ساعتين من تفرق المتظاهرين، تجمع ناشطون مناهضون للرأسمالية في ساحة الريبوبليك، وخاضوا مواجهات مع الشرطة، إذ تحدى ملثمون الحظر وألقوا الأحذية والزجاجات على رجال الشرطة المنتشرين بأعداد كبيرة في الساحة، وردت قوات الأمن في البداية باستخدام القنابل المسيلة للدموع، ثم بدأت بملاحقة المتظاهرين واعتقلت العشرات منهم.

 


مخاوف من هجمات إرهابية

في مكان آخر في باريس، بمركز المعارض "سين سان دوني"، كان الاستعداد قائما على قدم وساق لقمة المناخ التي بدأت أمس وأرخت بظلالها على العاصمة، بعد منع التجول، ويبدو أن هذه الحالة ستمتد طيلة أيام القمة الستة عشرة، إذ يتخوف المسؤولون من اختراقات إرهابية جديدة، وفيما يوجه العالم أنظاره إلى باريس المتوترة، تشهد الأخيرة تحديات شائكة، أبسطها التحديات الأمنية التي تحيط بالقمة والنتائج التي ستسفر عنها المفاوضات البيئية حول مستقبل كوكب الأرض، وما إذا كانت ستؤدي إلى اتفاق تاريخي حول المناخ، والاحتباس الحراري، والغازات الدفيئة، لتبقى موضوعات مثل محاربة الإرهاب والملف السوري، ومشاجرات بوتين وإردوغان من أكثر الأسئلة المطروحة على الطاولة في قمة يلتقي فيها كبار العالم، في لحظة تاريخية تشخص فيها العيون إلى زعماء عجزوا حتى اللحظة عن إثبات مقدرتهم على إعلان حالة طوارئ مناخية وإنسانية.