قبل بضعة أيام كنت أشاهد قناة فضائية مستعربة، بها ضيف يقدم نفسه على أنه من محور الممانعة، وليته كان ذكيا بما يكفي، لنواصل الاستماع لأقواله ومبرراته وفبركاته الرخيصة ضد المملكة ودول الخليج.
كنت أتمنى من الضيف المقابل أو المذيع أن يسأله، كم قتل "حزب الله" من إسرائيل خلال ثلاثين عاما؟ وكم قتل في ثلاث سنوات من السوريين؟! ذهب هذا "الممانع" زورا وعبطا إلى مقارنة تدخل الروس في سورية بتدخل السعودية في اليمن!
اليمن، جار وشقيق للسعودية، وعندما تدخلت الأخيرة، ليس ترفا ولا رغبة في حرب، وإنما فعلت الكثير لتفادي ذلك عبر المبادرة الخليجية، وعندما قررت مساعدته كان ذلك استجابة لطلب رسمي من نظام شرعي انتخبه اليمنيون ويعترف به العالم. هذا النظام لم يسفك الدماء ولم يعذب الشعب، بل اعتدت عليه ميليشيا حوثية طائفية وعصابات عفاشية مسلحة، سيطرت على المدن بالقوة والنار والبارود وعاثت في الأرض فسادا وعذبت الأطفال والنساء وسفكت دماء الأبرياء.
ساعدت السعودية اليمن لكونه دولة عربية وعضوا في جامعة الدول العربية، ولحماية مصالحها، وتدخلها عبر تحالف عربي-إسلامي وقرار أممي من مجلس الأمن الدولي بالرقم 2216. أما تدخل روسيا فعكس ذلك تماما، كان لحماية نظام مجرم فاقد الشرعية يقف العالم ضده، والشعب السوري يطالب برأسه بعد أن قتل الشعب بالدبابات والطائرات والبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي، حتى دمر البلاد والعباد وأصبحوا بين لاجئ ومشرد ونازح وقتيل ومعاق، وشرع الأبواب للميليشيات الإرهابية للتمدد على طول البلاد وعرضها، بنية ابتزاز دول الإقليم والمجتمع الدولي، كي يبقى للأبد.
شلة الممانعة لا تخجل ولا تستحي، وليس لديها ذرة من صدق، فقد استمرأت الكذب والدجل، إذ لا تزال تسمي ميليشيات إيران الإرهابية فرق مقاومة (حزب الله، أبو الفضل العباس، عصائب الحق ومنظمة بدر)! عصابات إيران تشارك في قتل شعب عربي، وتحتل أراضيه وتنفذ عمليات إجرامية ضد مواطنيه وتغتال أطفاله وتبقر بُطُون نسائه، وترتكب المذابح الجماعية، كما تفعل "داعش"، فيما نظام الأسد نفسه الذي يصف نفسه زورا بـ"المقاوم"، لم يطلق ولو بالخطأ، رصاصة واحدة على إسرائيل! أليست تلك الممانعة أشبه بعاهرة تدعي الشرف بعد أن اعتادت على التضليل!
الممانعة الكاذبة، وعلى رأسها قيادات الحرس الثوري و"حزب الله"، تعيش الآن حالة هذيان وارتباك، إذ يتم تداول معلومات على نطاق ضيق، تشير إلى أن الروس أمروا نظام الأسد بتحجيم الدور الإيراني، ومن مؤشرات ذلك، خرق الهدنة من قبل جيش النظام والهجوم على "تفتناز" أخيراً. ما حدث ليس عبطا، وإنما أشبه برسالة روسية لإيران والهدنة التي رعتها بمشاركة "حزب الله"، كما أن خرق الهدنة جاء بعد اجتماع عاصف لماهر الأسد مع قيادات جيش النظام، بناء على أوامر الروس بتجاهل الإيرانيين!
بل تسربت معلومات أخرى تشير إلى أن قيادات الحرس الثوري و"حزب الله" تتفاجأ يوميا بالتطورات الميدانية، وبدأت في تغيير مواقعها داخل دمشق، وغالبيتها تبيت في السفارة الإيرانية خشية الغدر، بل إن هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك، بالإشارة إلى أن معلومات مسربة خلفها النظام أدت إلى اصطياد قائد قوات الحرس الثوري الإيراني في سورية الجنرال حسين همداني، وكذلك القيادي في "حزب الله" حسن الحاج.
الأكيد أن الثورة السورية لم تخرج للشارع حاملة السلاح، بل طالب السوريون طويلا -بوسائل سلمية عدة- بوطن عادل كريم مستقل، لا سجن أو وطن مسلوب الإرادة تحتله إيران، وتعمل على تفتيت وحدته وتهشيم دولته كما تفعل في لبنان والعراق وغيرهما!
إيران وعملاؤها، ناقمون وحاقدون على الشعوب العربية، خصوصا الخليجية، لكن الشعوب أصبحت واعية بكذب مزاعمهم، ولم تعد تنطلي عليها شعاراتهم، بعد أن فاض بها الكيل من تدخلاتها وممارسات أزلامها.
لا شك في أن هستيريا أبواق طهران في الفضائيات الإيرانية المأجورة من مؤشرات الاطمئنان على النجاح في ضرب مفاصلهم في اليمن ودلالة على قلقهم من المرحلة القادمة في سورية. وما زادهم جنونا وهذيانا، اللقاء السعودي-الروسي الأخير بين الرئيس بوتين وولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان لمناقشة الأزمة السورية، بغية الوصول إلى حل توافقي بدلا من تبادل الردود والبيانات، وهو ما أشرت إليه الأسبوع الماضي.