لا بد أولاً أن أعبر عن إعجابي بحيوية معالي محافظ هيئة الاستثمار الأستاذ عمرو الدباغ، وذكائه، وطموحه، وقدرته الفذة على التعامل مع الهيئات الدولية، وقد كان هذا واضحاً لي سابقاً من متابعتي لنشاطه وأدائه، واتضح لي الآن أكثر بعد الزيارة التي قمت بها لمقر الهيئة بدعوة كريمة منه يوم الثلاثاء الماضي واجتماعي به وبالإخوة الكرام زملائه المسؤولين والمسؤولات العاملين في الهيئة.
لقد أمضيت وقتاً مفيداً لي معهم وبدا لي بوضوح حسن اختيار المحافظ لمعاونيه، فقد كانوا مجموعة من الشباب والشابات المتجانسين المؤهلين المهذبين المتخصصين، ومع أن معالي المحافظ قد كرر أكثر من مرة ما كنت أعرفه وهو مسؤولية الهيئة عن رعاية الاستثمار المحلي وتنشيطه وتذليل مصاعبه، فقد اتضح لي من خلال الحوار الطويل أنهم يشعرون أن اجتذاب الاستثمارات الأجنبية هي مشروعهم الكبير.
بصراحة ليسمح لي أخي المحافظ وزملاؤه وزميلاته أن أقول الآن ما لم أقله أثناء الحديث الطويل الذي أفادني وأسعدني وهو أنه مع كوني لست مستثمراً محلياً فقد شعرت بالغيرة الشديدة من أولئك المستثمرين الأجانب الذين رأيتهم أثناء خروجي ينتظرون الاجتماع بالمحافظ وزملائه لأنهم سيقابلون مجموعة من الشباب والشابات المؤهلين المهذبين الذين يحاولون بكل ما توفر لهم من خصال شخصية وحماس ملاطفتهم واستمالتهم ويحسنون استقبالهم. ويبذلون كل ما هو ممكن لتحقيق متطلباتهم بأسرع ما يمكن.
لقد شعرت بالغيرة فعلاً من أولئك المستثمرين الأجانب، وهذه الغيرة تؤشر بالإدانة القوية لمعلومة معالي المحافظ الثانية التي قال فيها إنه ((لا توجد مزايا للمستثمر الأجنبي لا يتمتع بها المستثمر السعودي))، ووثق لها في رده بالقول إنه ((عند صدور نظام الاستثمار الأجنبي عام 2000 نص على حصول المستثمر الأجنبي على جميع الحوافز التي يحصل عليها المستثمر السعودي، ولا يوجد أي حافز ممنوح للمستثمر الأجنبي لا يحصل عليه المستثمر السعودي)).. لا يا معالي المحافظ.. فالمستثمر الأجنبي يكفيه مزية أنه يلقى ذلك التدليل الجميل من أولئك الشباب والشابات المتحمسين المهذبين ومن غيرهم من العاملين في الهيئة، ويعامل على أنه (V.I.P) ويحصل على الترخيص ربما وهو يتناول القهوة في تلك الصوالين الجميلة مع تسليمي بمنطقية وأهمية تلك الشروط الواردة في دليل إصدار التراخيص الذي أصدرته الهيئة.. فإذا كنت قد شعرتُ بالغيرة مما شاهدته فما بالكم بالمستثمر المحلي الذي يدرك كل ذلك ويعاني الكثير ويضطر أحياناً لتقديم الرشاوى لإنجاز متطلباته إلى ذلك الحد المؤسف الذي عبر عنه رجل الأعمال الشيخ صالح كامل (الوطن عدد رقم 3670) مع تحفظي على ما قاله الشيخ صالح وعدم تسليمي بحقه في فعل ما فعل مهما كانت مبرراته، فإذا كان الشيخ صالح يعاني ما يعانيه على ذلك النحو مع قوته المعنوية الكبيرة فما الذي سيواجهه يا ترى ذلك المستثمر المحلي الصغير، وكيف لا يموت قهراً عندما يرى كيف يعامل المستثمر الأجنبي بلباقة واحترام وتبذل الجهود الحثيثة لتذليل العقبات التي يواجهها، ولا شك أن ما تقدمه الهيئة للمستثمر الأجنبي حق، وهو الأسلوب المثالي المطلوب، ولكن إذا كان المستثمر المحلي لن يحصل على هذا وسيواجه المتاعب والمصاعب فسيشعر بالحسرة الشديدة.
إني أشعر ـ وقد أكون مخطئاً ـ أن ذلك الإحساس القوي لدى المحافظ وزملائه بأن اجتذاب الاستثمارات الأجنبية هو مشروعهم الكبير، وأن ذلك السعي الدؤوب الذي يقومون به من أجل ذلك مما لا يحصل عليه المستثمر المحلي هو الذي أوجد هذا الصدام الواضح بين المستثمر المحلي والهيئة وهو الذي جعل الأخ المحافظ يتجه في ردوده وحواراته الإعلامية الأخيرة إلى حالة صدامية جعلته يستخدم تلك الأرقام التي تدين الاستثمار الوطني وتعلي من شأن الاستثمار الأجنبي، ومن تلك الأرقام موضوع الزكاة والضرائب، وهو ما ورد في معلومتيه الخامسة والسادسة عندما قال إن ((مصلحة الزكاة والدخل تأخذ من الشركات الوطنية 6.6 مليارات ريال، بينما تأخذ من الأجانب 7.7 مليارات ريال ضرائب))، ثم قال ((إن المملكة فيها أكثر من 850 ألف سجل تجاري وعدد التراخيص التي أصدرتها الهيئة لم يتجاوز 7500 ترخيص أي أقل من 1% من السجلات الموجودة في المملكة)) ويوثق لهاتين المعلومتين بالإحالة لمصلحة الزكاة والدخل ومؤسسة النقد ووزارة التجارة.
أعترف أنه لا يوجد لدي ما يخالف هاتين المعلومتين اللافتتين، ولكني في غاية الاستغراب منهما، كما عبرت سابقاً، فكيف يمكن استيعاب أن 99% لا يحقق إلا 6.6 مليارات ريال و1% يحقق 7.7 مليارات ريال، وكيف يمكن استيعاب ذلك مع أن الضرائب تؤخذ على الأرباح والزكاة تؤخذ على أصل المال وفق الوعاء الزكوي المعروف حتى في حالة الخسارة..؟ لقد اطلعت بالصدفة خلال اليومين الماضيين على المركز المالي للربع الثالث للعام الحالي 2010 لشركة سابك ووجدتها تقدم 700 مليون ريال زكاة في الربع الواحد، أي بمعدل 2.8 مليار ريال في العام، وهذه زكاة سابك وحدها، فأين زكاة عشرات بل مئات الشركات الأخرى..؟ أم إن زكاة سابك تضمنت الضريبة ولم تفصح الشركة عنها؟ الأمر فيه غموض ويحتاج إلى المزيد من البحث والتقصي.
لا شك عندي أبداً في إخلاص معالي المحافظ وزملائه الكرام لمشروعهم الكبير وسعيهم الدؤوب لتحقيقه، ولكن ليأذنوا لي بالقول إنه إذا استبعدنا الاستثمارات التي تأتي هرولة لنا بإغراء من الغاز الرخيص وما في حكمه، والتي ستهرول بقوة كلما استدعيناها فإنه فيما عدا ذلك (ومع كل المحبة والتقدير لكل تلك المواهب التي رأيتها) فإن تلك الطموحات الكبيرة التي بدت لي في أحاديثهم الحالية والقديمة عن الاستثمارات الكبيرة المصحوبة بالتقنية التي ستوفر مئات الألوف من الفرص الوظيفية هي من الأحلام السعيدة.. فهل تتحقق الأحلام..؟ أرجو ذلك.. وأرجو في الوقت نفسه أن تنال استثماراتنا المحلية بعض حنانهم لتزول على الأقل وقفة النفس هذه التي بدأ الأمر معها وكأنهم في خصام مع المستثمر المحلي إلى ذلك الحد الذي بدا واضحاً من خلال تلك الأرقام والنسب المدهشة التي قدموها.