لم يتردد الشيخان ابن باز وابن عثيمين -رحمهما الله- في العشر الأول من هذا القرن الهجري في أن يتكلما بعبارات صريحة لا غموض فيها ثناءً على الدولة وإبرازا لما يريانه من محاسنها، وذلك حينما حلَّ موجبُ الثناء بالهجمة التي كانت آنذاك على المملكة تشويها لتاريخها ومواقفها، وحققا بذلك الأنموذج العملي للعالِم الرباني الذي يعرف واجبه في إبداء كلمة العدل التي لا تقتصر على بيان الأخطاء من أجل الإنكار بل وبيان المحاسن من أجل الإقرار.

يعيد التاريخ نفسه ويعود التأجيج بوسائل أكثر شمولا وتعددا بغية تشويه سمعة بلادنا وتأجيج الرأي العام الشعبي عليها لتحقيق مشاريع عِدائية دولية وإقليمية في هذا الجزء السعيد من العالم، وينصب تضليلها على جوانب كثيرة منها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والإداري والأمني، لكن أكثر ما يلفت انتباهي فيها ويثير عجبي منها ما يضرب على وتر التشكيك في إسلامية الدولة وقيامها بأمر الإسلام وأمَّتِه، الأمر الذي أجده في هذه الظروف خاصة يُحَتِم على أهل العلم وطلابه الوقوف ذات الموقف الذي وقفه الشيخان -رحمهما الله-، فالسعودية هي مأرز الإسلام والمسلمين والكيان الباقي لنصرة السنة والحق ولا نعلم من يسعى في إسقاطها سوى الدول الموصوفة بالعظمى والكيان الصهيوني، ومشاريع هذه الدول مُعلنة لا تخفى على أحد، تتخادم منذ زمن مع المشروع الإيراني فيملي بعضهم لبعض والعاقبة للتقوى. ومن كان هؤلاء أعداءه فأكرم به. ويمكن تلخيص هؤلاء الأعداء في كلمة قالها ابن باز -رحمه الله- في لقاء مسجل: (عداء هذه الدولة عداء للحق عداء للتوحيد).

والسعودية بين هؤلاء الأعداء مشيتها فيه ولا يدرك حجم الأخطار التي تحت قدميها يستخف بها، ومن أدرك تعجب من حسن سيرها ومهارتها. فهي دولة الكتاب والسنة، ونظامها الأساسي للحكم لا يوجد مثله في العالم، بل كل القوى الإسلامية في دول الثورات العربية تقاتل من أجل مادة واحدة شبيهة بالنظام الأساسي للحكم.

وهي البلد الوحيد في العالم الذي يوجد فيه وزارة للدعوة ولها وكيل للدعوة في الخارج، وكانت ولا زالت تعمل بشكل متميز رغم بعض التعثرات التي تسببت بها حماقات تنظيم القاعدة.

وتُشرف الوزارة على أكثر من400 مكتب تعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات كلها تبذل الجهد في الإصلاح وتعمل من المناشط الجَمَّ الكثير، ومن زار معرض كن داعيا السنوي الذي تشرف عليه الوزارة لا يخفى عليه حجم الخير في بلادنا ومقدار التمكين لأهله من قِبَل قيادتنا.

وهي مقر رابطة العالم الإسلامي وجهودها في الدعوة منذ 50عاما لا ينكرها إلا مكابر ولم تتقلص إلا بعد حماقات 11/ 9، تلك الحماقات التي لا يعترف إلا الناصحون بمقدار ما سببته للنشاط الدعوي من أذى. وهي مقر الندوة العالمية للشباب المسلم وحجم عملها في كل بلاد النكبات لا يجحده إلا حاقد، رغم أنه قد وقع عليها هي أيضا ما على الرابطة من ضغوط جراء حماقات سفهاء الأحلام. وهي مقر البنك الإسلامي للتنمية الذي تكفي زيارة واحدة له لتعلم حجم الخير الذي يبذله دون انقطاع للدول الإسلامية من دعم لمشاريع تنموية وعلمية وخيرية.

وهي أول من دعم الثورة السورية بعد أن أعمل طاغوتها القتل في شعبه، وكادت جهودها أن تنجح لولا التآمر الدولي الذي شارك فيه بعض السفهاء من أفراد ودُول من دعم للقاعدة في سورية والعراق، وكانت نتيجة ذلك الدعم إفراز داعش واقتتال الفصائل وبقاء النظام.

وهي صاحبة مشروع القنبلة النووية الباكستانية، وهو المشروع الذي ردع الهند عن التمادي في مشروعها المشترك مع الكيان الصهيوني، ولا يزال عقبة كأداء في وجه المشروع المشترك للصهاينة وإيران.

وهي من أنقذ البحرين من الغزو الإيراني على الرغم من أميركا ومجلس الأمن. وموقفها من دعم قضية الأمة الأولى قضية فلسطين لا يتعامى عنه إلا مغرض، ودعمها المالي والإغاثي لغزة وأهلها غير خاف على منصف.

وهي بلد أعظم مشروع إسلامي لتعليم البنات، حتى انحدرت نسبة أمية الشابات في بلادنا إلى ما يقترب من الصفر، وهو ما لم يحدث في بلد من بلدان العالم له مواصفات بلادنا من حيث المساحة والتضاريس وحداثة النشأة. بل المفاجأة أن الولايات المتحدة لم تحصل على هذه النسبة بناء على دراسة أعدها المركز القومي للإحصاءات التعليمية عام 2003، تنتهي إلى أن 14% من المواطنين الأميركيين البالغين لا يجيدون القراءة والكتابة!

وقد بلغت المرأة في بلادنا هذا المستوى الرفيع من التعلم في ظل نظام إسلامي متين تقوم فيه المرأة وحدها بتعليم النساء دون الحاجة إلى أدنى درجات الاختلاط الذي لا يجيزه الشرع.

بل إن التعليم الجامعي للبنات في المملكة عبر 23 جامعة يسير على هذا النسق من المُحافظة، حتى كانت السعودية هي البلد الوحيد الذي يدرس فيه الرجل المرأة عبر الشبكة التلفزيونية بنجاح تام، بل إني أعتقد أن نجاح التعليم بهذه الصورة في بلادنا هو المُلهم الأول لفكرة التعليم عن بعد والتي تم اعتمادها عالميا.

وهي البلد الوحيد من بين بلدان المسلمين الذي يدرس طلابه المواد الدينية كمواد أساسية وبطريقة تفصيلية وتصل نسبتها في الجدول الدراسي مع المواد العربية إلى أكثر من نصف الجدول الدراسي. وهي البلد الإسلامي الوحيد الذي فتح كلية دينية شرعية في واشنطن، نفع الله بها كثيرا وتخرج منها عدد من الدعاة في أميركا والعالم الإسلامي، وقد أغلقتها الولايات المتحدة بعد حماقات 11/9، وهي الدولة الإسلامية التي تُخَرج كلياتها الشرعية دعاة من سائر أنحاء العالم حيث تقدم جامعاتها وكلياتها الشرعية مئات المنح سنويا للطلاب من جميع الجنسيات، وقد كان عدد الطلبة الممنوحين أكبر بكثير قبل حماقات "القاعدة" المتعددة والضغط العالمي الذي مورس على المملكة.

وهي الدولة الوحيدة التي لديها هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقوم بأعمال عظيمة لا يوجد مثلها في العالم الإسلامي. وهي الدولة الوحيدة التي تمنع ابتعاث النساء للخارج دون وجود محرم وهذا منتهى الحرص والصيانة للنساء. وهي مقر صندوق التنمية الإسلامي ومقر صندوق التنمية العربي ولهما من النشاطات العظيمة ما لا ينكره إلا جاحد.

وهي تمتلك أول قوة عسكرية في العالم العربي من حيث العتاد وثاني قوة عسكرية عربية من حيث العدد، ومن محاسنها أنها لا تجازف بقواتها في مغامرات غير محسوبة ولا تؤمن بالعنترية الكاذبة، وكثير من المتهورين ينقمون عليها ذلك، وهو والله من عظيم حكمتها، فليست الحرب حلا بل هي داء، وكم من دولة أسقطتها المغامرات وعسكرة الشعوب.

والسعودية دولة حافظة لحدودها حريصة عليها من أي عدوان، وإذا تعارضت مصلحة مواطنيها مع مصالحها السياسية أو الدعائية قدمت مصلحة مواطنيها، لذلك هي تقف مع قضايا العالم الإسلامي ما لم يؤثر ذلك على أمنها ومواطنيها بالسلب، أما إذا كان وقوفها مع أحد سيعرض مواطنيها وأمنها للخطر فليست حَفِيَّة بنكبة مواطنيها.

ومحاسن دولتنا ولله الحمد لا يحويها مقال ولا كتاب ولكنني اخترت الوقوف عند مناشطها المتعلقة بالعمل الإسلامي فقط، الذي لا يقوم به سواها. حفظها الله لأهلها وللإسلام وأهله من كل سوء وأعزها بعزه ولو كره الحاقدون.