المتاحف كائنات صامتة أليفة لكنها تحوي تاريخ المدن والناس وحضارات البلدان، تختصرها وتعرضها دون شروط، والمدن دون متاحف تبقى ناقصة التكوين والهوية وفاقدة لوجهها.

باريس رغم كل ما فيها من معالم وأماكن وحكايات يبقى اللوفر سرا من أسرار فتنتها. مدن عالمية كثيرة صغيرة وكبيرة كما باريس، فلكل مدينة تاريخها المختصر الذي تضمه جنبات متاحفها، لا يحتاج باحث إلا إلى جولة لدقائق ليقرأ هوية شعب ما، من هنا تأتي أهمية وجود المتاحف ونشرها في كل المناطق والمدن محليا. سعي هيئة الآثار والسياحة في هذا الجانب ملموس ويتصاعد وهناك نشاط واضح في هذا المجال، المتاحف ليست بالضرورة ضخمة وكبيرة وواسعة، لكن مهم جدا أن تحقق الإثراء والإغناء المعرفي والثقافي، كما أن المتاحف ليست محصورة في الآثار، هناك متاحف فنية وهناك حرفية، متاحف لكل شيء للأزياء والأطعمة ولعيش الناس ومهنهم. نشر المتاحف وإشاعتها تدفع بتوفير عناصر جذب وسياحة وتشويق، ليس بالضرورة أن تكون جميعها تحت مظلة رسمية بل تشجيع المهتمين والحريصين أفرادا ومؤسسات لإنشاء متاحفهم الخاصة، الكلفة المادية ليست العائق الذي يمكن أن يعطل الأمر وأظن أن المسألة لا تحتاج إلى الكثير لكنها في المقابل من الممكن أن تهيئ لصناعة ثقافية قادرة على رفد اقتصادات المدن الصغيرة وتوفير فرص حقيقية.

حتى الآن يبدو الأمر هنا تصاعديا هناك حركة جيدة لكنها تحتاج مزيدا من الدعم والحماس والترويج لها ووضعها على خارطة الوجه الثقافي الحضاري، كما أن وجود جهاز رقابي قوي قادر على تتبع عمليات الاستيلاء على الآثار ورصد عقوبات رادعة ضد كل من يتطاول عليها بالتخريب والإتلاف سيكون عاملا مهما في حفظ هذا الإرث الوطني والإنساني الذي يخص الأجيال السابقة واللاحقة، إضافة إلى عامل مهم ورئيسي هو تتبع الآثار المسروقة والتي أخرجت خلال حقب زمنية قبل تأسيس الدولة السعودية، فهذا حق أصيل تكفله كل التشريعات والقوانين الدولية، ومن هنا تأتي أهمية هذا الملف الذي بدأ يأخذ حيزا وحضورا في اهتمامات مؤسسات الدولة وعضوياتها المتعددة في الهيئات الدولية والعالمية والتي تضيف بين فترة وأخرى منجزا ومكسبا، فالدول والمدن والناس حضارة وثقافة وتراكم تاريخ.