هذا هو عنوان حملة نسائية سعودية من أجل تأنيث العمل في محلات الملابس النسائية، ويبدو لي أن هذه المشكلة في طريقها إلى الحل، وهذا الرأي لا يعتبر نبوءة، خصوصاً بعد البدء بتشغيل المرأة في وظائف (الكاشير) في محلات بندة، والتي سوف تقتدي بها محلات (كارفور) عما قريب، ومن زار فرنسا حيث كارفور الأصلي يجد أن هذه الوظيفة مقتصرة على المرأة، ومن زار كثيراً من البلاد العربية فإنه يرى أن محلات بيع الأزياء النسائية، وخصوصا الألبسة الداخلية، يزداد دخلها إذا كانت البائعة امرأة، فهذا المطلب البسيط، يحقق منفعة لكثير من الفتيات العاطلات، ولكنه – من باب السخرية - لا يحقق فائدة رجال الأعمال الذين لا يضعون مصلحة البلاد والعباد في المرتبة الأولى، لأن مصلحتهم الشخصية تقتضي زيادة الدخل عن طريق تأشيرات استقدام العمال، وقد أجاد رسام الكاريكاتير في إحدى الصحف المحلية حين وضع كلمة "يجوز" على رسم فيه امرأة تستجدي الناس ووضع كلمة "لا يجوز" على رسم فيه فتاة تعمل كاشيرة.
في الحقيقة هناك الكثير من الإحراج الأخلاقي الذي ينجم عن استخدام الدين - خاصة كلمتي "يجوز ولا يجوز" - كسلاح ضد حق المرأة في مماثلتها للرجل في الدور الاجتماعي بالتوازن مع الدور الأسري لكل منهما، ويمكن ضرب المثل بمنع قيادة المرأة للسيارة، حيث قامت صحيفة الوطن بالتعرض لهذا الملف الصعب يوم الجمعة الماضي من خلال التحقيق الذي أجرته الزميلة نجلاء الحربي، تحت عنوان "قصص مؤلمة لنساء مع السائقين المتحرشين يخفيها الخوف من الفضيحة" وتحته عنوان جزئي "معلمة هددت بإلقاء نفسها من السيارة وربة منزل توجه لكمة قوية للسائق"؛ وإذا كان التحقيق قد اتجه نحو تفسير التحرش بشكل عام، فإنه لا يمنع من الاستنتاج أن ركوب المرأة لسيارتها مع سائقها الخاص أو مع سائق أجرة يضعها في مواقف محرجة ليس أقلها – مثلا - إضاعة الوقت في البحث عن مكان معين لأن السائق غريب ولا يعرف البلد، والمرأة التي ركبت معه لا تعرف الطريق لأنها معتادة على وضعية المنقادة لا القائدة، في الطريق على الأقل إن لم يكن في كل الأمور الحياتية الأخرى، وليس أصعب هذه المواقف موقف التحرش اللفظي أو تعمد ملامسة اليد مثلا، ولكن هناك أيضا خطورة التعرض للاختطاف مثلا إذا كان السائق لا يعمل لدى الأسرة، أو الاستدراج من قبل السائق الشخصي حتى الاستغلال الجنسي أو العاطفي، ولا ننسى المثال الذي لا يتزحزح من الذاكرة بسهولة، عن الفتاة التي كان سائق أسرتها الخاص يتعامل معها جنسيا وهي بعمر 9 سنوات، وكيف تعلقت به خلال 5 سنوات من خدمته لدى أسرتها، للدرجة التي جعلتها تعترض على قرار الاستغناء عن خدماته وترحيله؛ وبالطبع هي حالة صارخة ولا يمكن أن نحكم إن كانت متكررة أم لا، إذ لا يخفى على أحد أن السائق يبقى كائنا غريبا عن الأسرة ولا يمكن الثقة به إلا إذا كان الوالدان ساذجين أو مهملين، ولكن يمكن بسهولة أن نقول إن المرأة ما لم تكن ناضجة فإنها كثيرا ما لا تستطيع التعامل مع المتحرشين، فلماذا نزيدهم واحدا بإضافة السائق إلى رأس القائمة؟
رب سائل يسأل: وهل قيادة المرأة للسيارة سوف تخفف من التحرش بها، أم أن نسبة المتحرشين سوف تزيد؟ والرد بأن هذه المقالة ليست مخصصة للاصطفاف في خندق المطالبين بقيادة المرأة للسيارة لأنه من المحرج جدا – إن لم يكن من المعيب جداً - أن نعتبر المرأة مخلوقاً قاصراً إلى الأبد، فهذا المطلب يجب أن ينتهي إلى خيار المرأة وخيار أسرتها مقابل أن يحمي القانون كل النساء من التحرش سواء كن سائرات مفردات أو مجتمعات، أو سائقات لسياراتهن الخاصة، أو جالسات متسامرات في مكان عام، ولا يكون ذلك إلا بالتوازي مع تغيير العقلية السائدة التي تحكم الرأي العام اجتماعياً، فالدين لا يمنع من قيادة المرأة للسيارة وهي التي لم تكن ممنوعة من ركوب الدواب في العهد النبوي.
ليس مستوى قيادة السيارة هو المستوى الوحيد الذي يضع المرأة في السعودية بحالة حرجة أمام نفسها وأمام بقية نساء العالم، بل يكفي أن نتذكر وضعها الدوني في الأسرة عندما يتم تزويجها دون أخذ موافقتها على المتقدم لها، ويشكل - على وجه الخصوص - زواج القاصرات معضلة يصعب تفسيرها للناس الآخرين الذين يمسكون بمجهر حقوق الإنسان، وهو مأساة بكل معنى الكلمة لطفلة تخترق حياتها الخاصة بهذا الشكل المزري والظالم، ولذلك أشعر بالامتنان لصحيفة الوطن التي ألقت الضوء مكرراً على هذه الأزمة الأخلاقية والتي يرفضها الدين مع أن الذين يبررونها يحتجون بالدين، وأعتقد أني رددت في مقالات سابقة على تبريراتهم الواهنة، فليس معنى ورود آية فيها كلمات مثل (واللائي لم يحضن) أن زواج من لم تدخل سن الحيض هو زواج مقبول دينيا، فالرأي الأقوى فقهياً هو ضرورة أخذ رأي الفتاة بعد بلوغها وعدم الدخول بها قبل موافقتها، ومع ذلك فهو مجرد رأي فقهي رغم عدالته النسبية يمكن استبداله بفتوى أكثر مناسبة للعصر الذي نعيشه: عصر حقوق الإنسان، وعلى الأخص حق المرأة وعلى الأخص منه حق الطفلة التي يراد لها أن تصبح امرأة قبل أوانها فتجبر على تحمل مسؤوليات الزواج بما فيها من معان فيزيولوجية ومفاهيم عاطفية ومعاملة جنسية، وكل ذلك يفوق مقدرات سن الطفولة، والتي اتفق العالم أجمع على أنها لا تنتهي – حقوقيا - إلا في سن الثامنة عشرة.
هذا مثال واحد على وضع المرأة الدوني – الحرج - في الأسرة، أما الأمثلة الأسرية الأخرى فيكفي ذكر الوضع التمييزي الهائل بين ما هو متاح ومباح للفتى وما هو ممنوع على الفتاة، مع أن المباحات الشرعية هي نفسها للجنسين، اللهم إلا أقل القليل مما يمكن وصفه بضرورة تنظيمية مثل الإرث وما يتبعه من قوامة الزوج على زوجته في حال إنفاقه عليها. يبقى الوضع التمييزي داخل المجتمع أكثر تعقيداً ومع ذلك يمكن اختصاره بعبارة واحدة: تعميم حالة قوامة الزوج على زوجته في الأسرة إلى قوامة الرجال على النساء في المجتمع، وهو حديث ذو شجون لا يمكن أن ينتهي حتى لو انتهت المقالة.