منذ الثامن من ذي القعدة الماضي، والمهتمون بمدينة القدس، والمسجد الأقصى، والحرم الشريف يتابعون بقلق بالغ التطورات والممارسات العدوانية المتمثلة في الاعتداءات والانتهاكات الصارخة التي يقوم بها الكيان الصهيوني هناك، وكلها وبدون أدنى شك تعد انتهاكاً واضحاً للقيم الإنسانية والمبادئ الدينية، وانتهاكاً صريحاً لمبادئ القانون الدولي وكافة القرارات الدولية، وتعدياً مفضوحاً ضد حرية أداء الشعائر التعبدية التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، بموجب قرار منظمة الأمم المتحدة رقم 217.

هنا في المملكة الموقف في غاية الوضوح من هذه الانتهاكات المتجددة، ويدل على الدور الريادي المهم الذي يقوم به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ أيده الله ـ من أجل هذه القضية التي تمس وجدان كل مسلم، وبصراحةٍ تم التصريحُ بالتحذير من أن مواصلة "الاعتداء على أحد أهم المقدسات الإسلامية" سيؤدي إلى "عواقب وخيمة"، ويسهم في تغذية التطرف؛ كما تم التنديد الرسمي بـ"انتهاك سلطات الاحتلال الإسرائيلية لحرمة المسجد الأقصى الشريف"، وتحميل السلطات الإسرائيلية بالكامل "أي تبعات ناتجة عن هذا العمل العدواني غير المشروع"..

الخميس الماضي، ومن عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، ومن على بعد (72 كلم) عن القدس الشريف، أصدر "مجلس حكماء المسلمين"، الذي يرأسه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب بيانا واضحا ومركزا يصف بداية الحالة الراهنة، وأبعادها المختلفة، جاء فيه "أن جميع هذه الممارسات والعمليات الإجرامية هي جزء من خطة التهويد، التي بدأ التخطيط لها منذ زمن بعيد، والتي اتضحت معالمها من خلال إجراءات انتزاع ملكية أكبر مساحة ممكنة من أراضي السكان الفلسطينيين لخلق وضع جديد من الجغرافيا السياسية لمدينة القدس، وكذا من خلال بناء المستوطنات اليهودية، وإجلاء السكان الأصليين لفرض واقع ديموجرافي جديد، وإحداث خلخلة سكانية في القدس بشقيها لتكون الأكثرية فيها للمحتلين اليهود بحماية جيش الاحتلال".

الحقيقة أن المسلم العاقل، وبعد هذه المعاناة المستمرة يحلم بيوم تنتهي فيه الاعتداءات المتكررة ضد المسجد الأقصى، والحرم الشريف؛ أولى القبلتين، وأحد أقدس ثلاثة أماكن في الإسلام، ويحلم بيوم تتوقف فيه مساعدة جيش الكيان الصهيوني للمنظمات اليهودية المتطرفة على اقتحام المسجد الأقصى، وإفساح الساحات لهم لاقتحام وانتهاك ساحات المسجد الأقصى، والحرم الشريف، وإغلاق الطرق المؤدية للمسجد الشريف وتدنيس حرماته، وتفريغه في أوقات طويلة من المسلمين، ومنعهم من ممارسة حقهم الرباني والتاريخي في المسجد الأقصى، والحرم الشريف الذي هو مكان عبادة خالص للمسلمين وحدهم لا يقبل الشراكة، أو التقسيم بأي شكل من الأشكال..

سمعنا كثيرا عن الدعوات التي توجه للمجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة للعمل على وقف تهويد القدس ومحاولة طمس معالمها الإسلامية والمسيحية، والتهجير القسري للمسلمين والمسيحيين من سكان القدس الأصليين، وسمعنا كثيرا عن المناشدات الموجهة للمسلمين للاهتمام بقضية القدس الشريف والعمل على إنقاذ المسجد الأقصى، والحرم الشريف، ووقف التدمير الهمجي الممنهج، والاعتداءات الصهيونية التي تهدف إلى هدمه أو النيل من ساحاته وملحقاته.. حلمنا وسمعنا، وما زالت التوترات مستمرة، ولعل البحث عن مخارج دبلوماسية وقانونية ضد الانتهاكات الإسرائيلية هو السبيل الأنسب لمنع الصهاينة من القيام بالممارسات الشاذة، وإلزامهم بالقانون الدولي والقرارات الدولية الصادرة في هذا الشأن، وبدون هذا التحرك الجاد والفوري لن تتوقف الاعتداءات على المقدسات الإسلامية، وستصبح عملية السلام حبرا على ورق.