الكرامة ليست امتلاك المفاخر بل استحقاقها، وهو ما تراه كل النساء، على وجه التحديد نساء الانتخابات البلدية، فحين يطالبن بحق من حقوقهن المشروعة للمشاركة في التنمية المجتمعية والحياة والقرارات، فهو استحقاق وليس مفاخرة. إلا أن التوصيات والتصريحات التي تُطل علينا بين وقت وآخر عن مشاركة النساء في الانتخابات البلدية تستدعي للذاكرة ما كان يحدث في أثينا في عصور الظلام، من قرار منع النساء والعبيد من مناقشة الشؤون العامة، بل إنها محرمة عليهم.
إن كل الارتباكات التي تحدث بشأن تحرك المرأة في الانتخابات البلدية زاد عن حده الطبيعي إلى شكله المَرضي.
على سبيل المرض، ما وصلنا من تصريح بشأن أن هناك غرامة ستفرض على من تحاول الاختلاط بالرجال خلال سير الانتخابات أو الحملات الانتخابية،
وسبقته بنود وتحفظات عدة تم تجاوزها من قِبل النساء، إيمانا منهن بخوض التجربة الانتخابية.
إن الالتباس المحيرّ في ظهور الخوف من النساء بالفعل يبدو أنه أدى إلى تدني مكانة المرأة، ومن جانب آخر فإن هذه القرارات والتباهي والتصريح بها يعني مزيدا من الترسيخ في ضمير الفرد والمجتمع لثنائية: المرأة والشر، المرأة والشيطان، وأثبتت اللجان والجهات ذات العلاقة في الانتخابات البلدية أن النساء هنا يخضعن لسيادة الأيديولوجيات الذكورية، والالتباس الكبير والفادح للتفرقة بين المرأة والأنثى، مثلما هو الالتباس في مفهومي "النساء، والحريم"، فالأولى مرادفها حرية والثانية شكل من التبعية والاستعباد، يندرجن تحت ممن يحجر عليهن مجتمعيا فيما يعرف بـ"الحريم".
إن كان دخول امرأة إلى مقر الانتخابات يعدّ عملا مُجرماً من بعض المسؤولين. فإن السؤال المفترض هنا هو: "هل حق المرأة في حرية التحرك والتنقل داخل منظومة الانتخابات البلدية يعدّ عملا غير ديموقراطي في داخل حراك نحسبه رمزا للديموقراطية؟"
هناك ما يجب احترامه بالمطلق ودون تنازل، وهو كرامة النساء بعيدا عن إسقاطات رهاب النساء أو المرأة الشريرة، والتوقف عن ممارسة الأبوية، لسبب أساس وهو أن النساء المترشحات للانتخابات البلدية لم ولن يمارسن خلوة في مكان ما، لن يدخلن مجلس أحدهم، بل هن يقمن بعمل جدير بالتقدير، عمل وطني، ومن الجلي هنا أن إقصاءهن لأسباب نوعية لا يليق بعمل وطني كبير.
إن أية عقاب أو تغريم يمس المرأة المُنتخبة في هذه الأثناء لهو تكريس لفكرة إدراج المرأة في خانة عملاء الشيطان، بل ويجعل منها محرابا مجهولا حسب "الجينوفوبيا / رهاب النساء"، وهو خوف غير مبرر عقلانيا من قِبل الثقافة السائدة. كما أنه لا يتماشى مع دعم الدولة لتمكين المرأة مجتمعيا.