توطين الوظائف الحكومية ما زال يمثل مشكلة خاصة في مناطق الأطراف التي تتوافر فيها الفرص الوظيفة أكثر من غيرها لتأخر وجود الجامعات والمعاهد بها التي تسهم بشكل كبير في إمداد سوق العمل بالمؤهلين. هذا الأمر استمر فترة من الزمن لكنه بدأ يتقلص لخروج أبناء وبنات تلك المناطق للدراسة خارج مناطقهم ولافتتاح الجامعات بأقسامها المختلفة التي خرجت في السنوات الأخيرة أعدادا كبيرة من المؤهلين من الجنسين الذين ينتظرون فرص العمل لبناء مستقبلهم وللإسهام في خطط التنمية الخاصة بمناطقهم والتي تصب في النهاية في معين الوطن.

وإن كان عدم وجود كفاءات لشغلها سابقا انتفى الآن فالأجدر أن يكون النصيب الأكبر من هذه الوظائف لأبنائها خاصة النسائية منها، والسبب ليس الاستئثار بهذه الوظائف عن أبناء المناطق الأخرى، لكنهم أكثر تحملا وتفهما لطبيعة مناطقهم وأكثر صبرا على تقلب أحوالها مناخيا وجغرافيا وغيرها، وفوق ذلك أسرع في الإنجاز وخدمة للمواطن، فالاستقرار يساعد الموظف على الإخلاص والدقة في عمله، وما هو حاصل الآن معاكس لذلك، فهناك كثرة تغيب لبعض هؤلاء الموظفين والموظفات، إما لظروفهم العائلية أو لعدم تكيفهم مع المكان وهذا أمر طبيعي جدا، لكنه على مستوى العمل تسبب في تعطيل مصالح المراجعين وتراكم للمعاملات، خاصة في المؤسسات الخدمية التي تلامس مصالح المواطنين بشكل كبير.

هناك من سيقول إن طرح الوظائف يتم بالعدل وفق ما تحدده وزارة الخدمة المدنية الجهة المخولة بالتوظيف ونحن نوافقهم على ذلك، لكن أليس من الإجحاف أن توجد إدارات في منطقة ما جل موظفيها من خارجها رغم تواجد كفاءات فيها قادرة على شغل هذه الوظائف؟ وكذلك الأمر عندما تخلو دائرة من موظفيها في منطقة ما بسبب ظرف معين لأن جل منسوبيها من مناطق أخرى آثروا المكوث في مناطقهم وهذا حقهم، لكن أليس أبناء تلك المناطق هم الأقدر في مثل هذه الظروف على تفعيل دور هذه الإدارات والاستمرارية في خدمة المواطنين تحت أي ظرف، فهم في نهاية الأمر بين ذويهم ولا يأخذهم القلق من بعد أو فقد؟!

سبق لهذا الموضوع وأن طرح لكن على مستوى الوظائف التعليمية فقط والسبب تلك المشكلات التي اعترضت المعينات في مناطق بعيدة وكان من أكثرها وطأة الحوادث المرورية المهلكة، وعلى الرغم من استفاضة النقاش حوله إلا أنه ظل معلقا حتى اليوم. ولأن التوظيف توسع نطاقه ليشمل قطاعات غير التعليم فحري بنا أن نطرحه بجدية أكبر، خصوصا ما تمخض من مشكلات حياله في هذه الفترة تحديدا.