يرفع العنف شعاراته من حين إلى حين، فما يحدث الآن من تصعيد بعض الدعاة ضد بقية العالم، قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. فبيانات بعض الدعاة التي تخرج علينا الفترة تلو الأخرى، قد نواجه بسببها حصارا على مختلف الأصعدة إذا لم يدركوا خطورة ما ينشرونه من أفكار متطرفة.
البيان الأخير الذي أصدره بعض الدعاة هو خير شاهد على ما نقول. فلنتأمل إذًا بعض فقرات البيان:
1 - "إن التحالف الغربي-الروسي مع الصفويين والنصيرية حرب حقيقية على أهل السنة وبلادهم وهويتهم، لا تستثني منهم أحدا، والمجاهدون في الشام اليوم يدافعون عن الأمة جميعها، فثقوا بهم ومدوا لهم يد العون المعنوي والمادي، العسكري والسياسي، فإنهم إن هُزِموا –لا قدر الله ذلك- فالدور على باقي بلاد السنة واحدة إثر أخرى".
2- "أيها الروس يا غلاة أهل الصليب".
3- "وها هي وريثته روسيا الصليبية الأرثوذكسية تغزو سورية المسلمة".
أن ندافع عن الانتفاضة السورية كثورة قامت من أجل الكرامة والحرية والعدالة وحق تقرير المصير، فهذا أمر مطلوب ومشروع في حد ذاته، ولكن أن تزج القضية السورية في أتون حرب طائفية بين الشيعة والسنة تارة وبين المسلمين والمسيحية تارة أخرى، فهنا تكمن المصيبة العظمى وهي قصة الخطاب الوعظي بقالبه الطائفي وتوظيفه في الشأن السياسي، وهو الأمر ذاته الذي طالما قرأناه وسمعناه من بعض الشباب الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية، كلهم يبررون عملهم هذا بأنه جهاد لنصرة الإسلام ضد الظلم الغربي الصليبي المسيحي! فهذه التبريرات وإن كانت كاذبة إلا أنها أصبحت مستقرة في أذهان ونفسيات كثير من الشباب، خاصة بعد أن أستطاع خطاب الإسلام السياسي ترسيخه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
هل تذكرون مثلا قصة الهجوم على جريدة شارلي إيبدو الفرنسية وبماذا صرخ المعتدون المقنعون عندما فتحوا النار على واجهة الجريدة؟ إنهم صرخوا "لقد ثأرنا للنبي محمد"، وهم في واقعهم أبعد ما يكونون عن رائحة الإسلام المحمدي!
وحتى عندما ننظر إلى كل الأديان نجدها أديان أخلاق وسلام، كلها تحث على المحبة والتعايش، إلا أن هذه الأديان تربت على القائمين عليها، فإن فسره أصحابه تفسيرا متسامحا تحول الدين لعامل سلام، وإن فسره أصحابه تفسيرا كارها لكل مختلف، تحول لعامل تطرف وعداء.
السؤال: عندما تطفو حادثة إرهابية على السطح هل يكفي فيها إعلان البراءة وأن الدين منهم براء، وأن العقيدة عقيدة سلام؟ يقول الدكتور محمد جابر الأنصاري: "كلما سئل أحد مفكرينا عن اللامعقول الذي يجري في الساحة الإسلامية، يجيب بأن هذا مما يبرأ منه الإسلام، هذا تحصيل حاصل ولكن لماذا يحدث هذا الذي يحدث في مجتمعاتنا بشكل متواتر؟ ما جذوره الموضوعية؟ وكيف علاجه؟
الأجدى بنا أن ننظر إلى دواخلنا، ونتأمل ذواتنا، ونتحقق من المشكلة في جذورها العميقة، كيف نفهم الدين، كيف نقرأه، كيف نطبقه؟ ما المشاعر الإسلامية الحقيقية تجاه الأديان والمذاهب المختلفة؟ عندما نستطيع أن نراجع أنفسنا بصدق، عندها سنضع أقدامنا على بداية الطريق الصحيح لدين السلام والتعايش والمحبة، والذي يجب أن يكون حتما هو الإسلام".
أخيرا.. أقول: آن الأوان لتبصير الدعاة والمشايخ كافة، أن إعلان الجهاد والنفير كإعلان الحرب، هو أمر سيادي من اختصاصات الدولة "السلطة السياسية"، ولا يترك لشيخ أو واعظ كائنا من كان حق إعلان الجهاد لا في الداخل ولا في الخارج، حماية لكرامة الإنسان، وتأمينا لاستقرار المجتمع وسلامته.