ليس في العالم من هو أغبى من المتآمرين، لا سيما إذا كانوا من الدول العظمى أو من أجهزة الاستخبارات. فمؤامراتهم سريعا ما تنكشف، وسريعا ما تظهر على شاشات الإعلام الممانع مفضوحة ومكشوفة، وبتفاصيلها المملة.

ففي كل يوم تطالعنا وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بكشف مؤامرات سرية جديدة، تحاك خيوطها في الغرف السوداء، وتستهدف شعوب المنطقة ومستقبلها ومقدراتها.

وغالبا ما توضع لهذا النوع من الأخبار عناوين متبجحة حاسمة من قبيل "كشف مؤامرة سرية تحيكها أميركا وتستهدف المنطقة العربية" أو "التفاصيل الكاملة للمخطط السري لتفتيت الدول العربية"، وأحيانا يستشيط كاشفو المؤمرات غضبا ويضيفون استنتاجات ورؤى استشرافية، فتأتي عناوينهم من مستوى "المؤامرة الخطيرة التي تحيكها السي آي إيه ستمهد لسيطرة إسرائيل على حقول الغاز في المتوسط".

ولطالما كنت أتساءل، كلما رأيت خبرا من هذا النوع، أو رأيت محللا استراتيجيا يستفيض في شرح أبعاد المؤامرات: إذا كان هؤلاء قادرين على كشف هذه المؤامرات فمن أين تستمد الدول العظمى عظمتها؟ وما المؤامرات التي ستنجح إذاً؟ ولماذا تجهد الغرف السرية نفسها في حبك المؤامرات طالما أنها تنكشف دائما؟

وبنتيجة ما يجري في المنطقة اليوم، والخراب الذي يعمها، تظهر أسئلة جديدة مثل: إذا كانت هذه نتيجة كشف المؤامرات وإفشالها، فما كان سيجري بنا إذاً لو أنها نجحت؟

الطريف أن هؤلاء الذين يعرفون أسرار العالم، وما يدور في رؤوس صانعي القرار، وما تفكر به أجهزة الاستخبارات الكبرى، غالبا يقيمون في مناطق قصية مثل دمشق أو عدن أو بغداد، وغالبا ما تكون دوائرهم هي أشخاص على شاكلتهم، فببساطة يمكن لشخص يعيش في الضاحية الجنوبية ببيروت وأبعد مكان يمكن أن يذهب إليه هو دمشق، وأهم شخص يمكن أن يلتقيه هو مدير مكتب في القيادة القطرية لحزب البعث، وأغنى قراءاته هو صفحة الرأي في صحيفة الديار، يمكن له ببساطة أن يرسم ابتسامة الواثق على شفتيه ويروي لك بالتفصيل ما جرى في ذلك الاجتماع السري بين رئيسي المخابرات الأميركية والروسية، وماذا قال الأول بشأن سورية، وماذا قال الثاني بشأن العراق، ويستطيع كذلك أن يصف لك نظرات العينين وما حملت من معان وما أوصلت من رسائل بين الطرفين، ثم يبني على ذلك تحليلات وتنبؤات مستقبلية لما سيجري في المنطقة بناء على هذا الاجتماع!

بالطبع لا مشكلة لو كان هذا الشخص جالسا في مقهى ومحاطا بمجموعة من الأصدقاء السذج، المشكلة هي أن هذا الشخص يقول هذا الكلام على شاشة فضائية يشاهدها ملايين الناس، وعلى الأغلب يصدقها معظمهم.

لذلك وبسبب هؤلاء، وبسبب هذا النوع من الفرقعات الإعلامية، سيكون لدى الناس أرضية خصبة لتقبل أي كلام عن المؤامرات والدسائس، وميل لتصديق أي شيء مهما كان بعيدا عن العقل ومخالفا للمنطق، فتجد من يصدق أن صدام حسين حي يرزق، وأن سقوط الرافعة في الحرم المكي وراءه مؤامرة انتقامية لأحداث 11 سبتمبر، وحتى العاصفة التي حدثت في ذلك اليوم كان حدوثها مريبا وفيه شيء صناعي، وأن توقيت بدء عملية عاصفة الحزم كانت له دلالات ترتبط بمؤشرات فلكية!

وكثيرا ما يجد هذا النوع من الروايات قابلية كبيرة للانتشار، بسبب حب الناس للروايات الغرائبية، ورغبتهم في أن يبدوا أمام أقرانهم مطلعين وأصحاب معرفة عميقة، فيلتقطون كلمة من هنا أو هناك -وغالبا ما تكون من واحدة من وسائل الإعلام تلك- ويدورونها بين الناس، لتتحول مع الوقت إلى معلومة شعبية شائعة ومترسخة لدرجة يصعب انتزاعها.

ومن هذه القصص ما يرتبط بأحداث قديمة أو بمعالم تاريخية، كآلاف القصص الخرافية عن بناء الأهرامات، أو اختفاء هتلر، أو دور اليهود في صناعة الأفكار لدى الديانات الأخرى، وتمتد هذه الطريقة في رواية الأحداث من خلق الأرض ولا تنتهي بحادثة طبيعية واردة مثل حادثة الحرم المكي الشريف.

حين أشاهد أو أسمع أحدا يتحدث عن المؤامرات السرية بهذه الطريقة، كثيرا ما يخطر لي أن أقول له: أي سر تافه هذا الذي تعرفه أنت؟.