على الرغم من الضجيج الإعلامي الأميركي واستنهاضه نزعة العداء التاريخية لروسيا، إلا أن الطرفين يشددان على أهمية تنسيق جهودهما لتفادي الصدام العسكري "عن طريق الخطأ"، لما قد يسببه من تأجيج وتعريض الأوضاع الدولية والإقليمية لأخطار المواجهة العسكرية.

وعلى هذه الخلفية، ينبغي مناشدة القادة العسكريين والسياسيين الأميركيين قراءة التحولات الفكرية والاستراتيجية لروسيا التي تعتبر الغرب طرفا يرفض الشراكة ويهدد روسيا على طول حدودها المشتركة مع أوروبا. كما يجب قراءة النظرة الدولية للولايات المتحدة بشكل خاص، والتي تعتبر الولايات المتحدة وأوروبا عازمتين على زعزعة استقرار الدول في شمالي أفريقيا والشرق الأوسط ومناطق العالم كافة خدمة لمصالحهما وأهدافهما الخاصة.

وتشير التدخلات الأميركية المباشرة، في التاريخ القريب، بوضوح إلى عزمها الإطاحة بقادة دول لا تأتمر بمشيئتها وإذكاء الاضطرابات الداخلية والحروب الأهلية: العراق وأفغانستان وليبيا واليمن، فضلا عما يجري في سورية.

ومن الأهمية الإشارة إلى إصدارات "ويكيليكس" الأخيرة التي نشرت وثيقة سرية أميركية صادرة عن وزارة الخارجية توضح التدابير والإجراءات التي يتعيّن تطبيقها في سورية لزعزعة استقرارها، وإذكاء التوترات الطائفية، وتأييد تحركات تنظيم الإخوان المسلمين الرامية للإطاحة بالنظام السوري.. الوثيقة يعود تاريخها لعام 2006.

للإنصاف، ينبغي الإشارة إلى التحول الذي طرأ على الخطاب السياسي الأميركي، لا سيما في شقه الدعائي والإعلامي، إذ أصبح مطالبا برفض التدخلات الأجنبية كافة في سورية، في الوقت الراهن. بالمقابل، السياسة الروسية "الجديدة" تتحلى بالثقة في النفس وتهيئة الظروف الملائمة لتحقيق الانتصارات، مع الأخذ بعين الاعتبار تداعيات الحرب الجارية في أوكرانيا على الاقتصاد والقرار السياسي الروسي.

شرعت موسكو في طمأنة الرأي العام الداخلي لأهداف حملتها العسكرية، وأوضحت على لسان مدير طاقم موظفي الكرملين، سيرجي ايفانوف، أن التدخل يستند إلى رغبة روسيا "حماية مصالحها في سورية.. نتحدث بشكل خاص عن سورية وليس الذهاب لتحقيق أهداف للسياسة الخارجية أو إرضاء لطموحات" تدور في مخيلة البعض. مؤكدا أنها أتت بدافع حصري "لحماية مصالح الاتحاد الروسي".

في الجانب الأميركي تواترت أنباء عن برنامج نشط لتدريب وتسليح عناصر سورية تشرف عليه وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه)، منفصل عن برنامج البنتاجون الذي رصدت له ميزانية بلغ حجمها 500 مليون دولار.

الأجواء السورية تعج بطائرات حربية مختلفة تعود لنحو عشر دول، بعد دخول سلاح الجو الروسي مباشرة. ومن غير المرجح موافقة الرئيس الأميركي على إمداد عناصر "السي آي أيه" بأسلحة دفاع جوية في الظرف الراهن، خشية وقوع صدام مع القوات الروسية، فضلا عن القلق الأميركي الدائم من خطر وقوع تلك المعدات والصواريخ المضادة للطائرات بأيدي عناصر تكفيرية ومجموعات متشددة.

لقد باتت هوية عناصر "السي آي أيه" محط أنظار السياسيين والإعلاميين على حد سواء. وأجمعت معظم التقارير الصحفية بهذا الشأن أن تلك العناصر "مشكوك في ولائها لمشغليها"، وترجح تنسيق جهودها مع فرع تنظيم القاعدة في سورية، جبهة النصرة.