بعد رسالتي المتلفزة للشعوب في إيران، أبعث هذه الرسالة التي سوف أتحدث فيها بلسان معظم الشعوب العربية في نظرتها تجاه الشعوب والأقوام في إيران وموقفها من النظام الحاكم هناك. كانت صورة الشعب الإيراني عند جيرانهم العرب جيدة أو على أقل تقدير ليست هناك صورة نمطية سلبية ملتصقة بهم في الداخل العربي، خاصة بين النخب المثقفة وأرباب الفكر، إلا أن تصرفات النظام الحاكم في إيران منذ 1979، تسيء حقيقة إلى التاريخ والثقافة والحضارة الإيرانية. لقد ركز نظام ولي الفقيه، وأزعم بأنكم تدركون ذلك جيدا، على البعدين المذهبي والأيديولوجي واستغل ذلك لأهداف سياسية داخلية وخارجية.

نقول للجيران داخل جغرافية إيران؛ نحن كعرب لا نضمر لكم إلا كل الاحترام والتقدير، ليس لدينا أي موقف سلبي تجاهكم ونتمنى أن يكون الأمر كذلك بالنسبة لكم. اعلموا أن من بين العرب من يستمتع بشعر حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي، وهناك من يعشق أشعار جلال الدين الرومي ويتغنى بها كما يطرب البعض للموسيقى الإيرانية والأهازيج الشعبية. هناك أيضا من يزين منزله بالسجاد الإيراني القادم من يزد وتبريز وكاشان، وآخرون يفضلون زعفران منطقة القائنات في خراسان على غيره، كما أن فستق رفسنجان، والمصنوعات اليدوية والنحاسية القادمة من أصفهان تحظى بشعبية لا بأس بها. ولكن هل تدركون أن شريحة كبيرة من الشعوب العربية بدأت بالفعل في الابتعاد عن هذا كله، بل إن البعض يطالب علانية بمقاطعة المنتوجات الإيرانية كاملة ومحاصرتها في الأسواق العربية والخليجية؟ نعم قد ترون أنه تصرف قاس ولكن الواقع أن هناك من يرى أنها ردة فعل طبيعية على كل ما هو قادم من الداخل الإيراني، والسبب تصرفات النظام الحاكم الذي يتحدث باسم الشعوب في إيران.

نعم هذا قد يضر فعليا بكم كمواطنين، ولكن لماذا تسمحون أن يسيء النظام إلى سمعتكم ويجعلها سلبية للغاية عند أقرب الشعوب إليكم جغرافيا؟ ماذا اكتسب الشعب الإيراني من العداء الذي يظهره النظام الحاكم في طهران تجاه معظم دول العالم؟ كم دولة صديقة لإيران طيلة العقود الثلاثة الماضية؟ حاليا قد تكون روسيا هي أقرب الدول للنظام الإيراني. الحقيقة أن روسيا تستغل العقوبات لتسيطر على الاقتصاد الإيراني، وتدركون جيدا موقف روسيا تاريخيا من إيران منذ حروب 1722، 1796، 1803 و1826 ومواقفها السلبية خلال الثورة الدستورية، وخلال الحرب العالمية الثانية. لذا أعلم جيدا أن العقلية الإيرانية لا تثق في موسكو. بعيدا عن روسيا، هل يفتخر الشعب الإيراني بعلاقة النظام مع الميليشيات والأحزاب المنبوذة داخل دولها مثل حزب الله في لبنان والحوثي في اليمن والوفاق في البحرين وغيرها؟ لن أجيب نيابة عنكم، ولكن أتذكر جيدا شعارات "نه غزه، نه لبنان، جانم فداى إيران" التي رفعتموها عام 2009.

إن الشعب الإيراني الصديق يستحق حياة أفضل على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كافة؛ يستحق أن يحظى بقبول لدى شعوب المنطقة؛ يستحق أن يتخلص من البطالة وتضخم الأسعار ووباء المخدرات؛ يستحق أن يعيش بوجه واحد يعبر فعلا عن حقيقته وليس الاتجاه نحو تقمص الأقنعة في الداخل للخلاص من بطش النظام، وينزع ذلك الوجه منذ أن تقلع الطائرة المتجهة إلى أي دولة شرقية أو غربية. لك أن تفكر، أيها الشعب الجار، هل شخصيتك التي تظهر بها في الداخل هي ذاتها في الخارج؟ والأهم لماذا يتم إجبارك على هذا التناقض في أبسط حقوقك؟

قد يقول بعض أبناء الشعب الإيراني إن الخلافات مع دول الجوار بسبب تلك الدول وليس النظام الإيراني. أقول، من حقك أن تفكر هكذا وقد يكون طبيعيا أن تقول ذلك بحكم التضليل الإعلامي الذي يمارسه نظام ولاية الفقيه من خلال التحكم بقنوات المعرفة، فيحجب وسائل التواصل الاجتماعي ويمنع لاقطات بث القنوات التلفزيونية التي لا تدور في فلك سياسة النظام وأيديولوجيته. في هذا الصدد، حبذا لو استرجع كل إيراني التاريخ القريب. لن أستشهد بحقبة النظام البهلوي ولا بحقبة الحرب العراقية الإيرانية لأن لها ظروفها وتم تجاوزها، ولكن تذكروا الفترة بين 1997 - 2005. عندما أبدت إيران رغبة في تحسين العلاقة مع جيرانها الخليجيين، شاهدنا انفتاحا مماثلا من قبل تلك الدول وكانت الوفود الثقافية والتجارية والسياسية تتبادل الزيارات (ملتقى سعدي الشيرازي في طهران صيف 2000 أنموذجا). ولكن بعد وصول أحمدي نجاد إلى السلطة تغير السلوك وعادت النزعة العدائية واستمر النظام في تصعيدها حتى يومنا هذا. أيها المواطن الإيراني يظهر لك هذا المثال دون غيره أن السبب في توتر العلاقات هو نظام ولاية الفقيه وليس دول العالم ومن بينها الدول العربية.

ننتظر من الشعوب الإيرانية أن تتخذ موقفا يليق بسمعتها وتاريخها وحضارتها، وألا تسمح لشريحة ضئيلة من المجتمع، وصلت إلى السيطرة على القرار السياسي بطرق نعلمها جميعا، بهدم كل ما هو جميل في بلادكم لتجعل شعوب المنطقة تنظر إليكم بكثير من الريبة والتوجس. عبّروا عن رفضكم القاطع والحازم لتدخلات النظام الحاكم، بحرسه الثوري وميليشياته، في شؤون دول الجوار والكف عن دعم الجماعات والميليشيات والقوى الإرهابية في اليمن وسورية ولبنان والعراق والبحرين والكويت والسعودية. أموال الشعب الإيراني تبدد على جماعات لا مستقبل لها ولا تحظى بحاضنة شعبية، بينما المواطن الإيراني يعيش تحت خط الفقر ويبيع أعضاءه لإطعام أسرته. فكروا في ذلك وقلوبنا وصدورنا مفتوحة لإيران نتعايش معها ونبني سويا جسور المحبة والألفة، بعيدا عن النظرة القومية والمذهبية الضيقة، وأتمنى ألا تضطر دول الجوار إلى الركون إلى قاعدة "الجزاء من جنس العمل" فتعامل النظام في طهران بالمثل وتتدخل في شأنه الداخلي كما يفعل حاليا، وأنتم أعلم منا بنتائج ذلك إن حدث.