في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، فإننا نلحظ كثرة الأخبار التي نطالعها ونتعامل معها يوميا كصحفيين، ولكننا مع ذلك نلحظ أيضا قلة الأخبار التي تشد انتباهنا إلى درجة ترغمنا أحيانا على التعليق عليها.

من أبرز ما طالعته أخيرا، إعلانُ وزير التعليم الكويتي بدر العيسى عن نية دول الخليج العمل على توحيد المناهج الدراسية، وذلك لتنقيحها من كل الأفكار المتطرفة كخطوة أساسية لمكافحة الإرهاب.

كلام جميل، رغم أنه جاء متأخرا بعض الشيء، كما أنه ربما يبقى حبيس أدراج الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إذا لم يجد الآلية المناسبة لتطبيقه على الأرض، فهذا الكلام ليس جديدا، وتوحيد المناهج الدراسية أمر بدأ طرحه في منطقة الخليج منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتمسك به البعض كمشروع بديل ربما يحقق الوحدة الخليجية المنشودة، بعد تعثر مشاريع أخرى كمشروع العملة الموحدة.

التوجه هذه المرة كما يبدو سيركز على المناهج الدينية، إذ إنها المعنية بمسألة التطرف والأفكار الراديكالية، هذا يعني أن مناهج بعض الدول ستكون هي المستهدفة دون غيرها من عملية التطوير تلك، لكن السؤال المطروح هو: من الذي يحدد تلك المعايير؟ وهل تمتلك دول الخليج نظرة موحدة حيال مفهوم التطرف والأسباب التي تقف وراءه حتى تبدأ في رسم سياسات مكافحته تعليميا؟

الإجابة للأسف، لا، فرغم المظلة التي تجمع دول الخليج منذ أكثر من ثلاثين عاما، إلا أن وجهات نظرها حيال مختلف المواضيع والقضايا المطروحة على الساحة متباينة، وقضية تطوير المناهج والنهوض بالتعليم ليست بعيدة عن تلك الحالة من الاختلاف المتواصل.

قبل عقود عدة برزت محاولات خجولة لتوحيد المناهج في الدول العربية تحت مظلة القومية العربية التي ما لبثت أن انهارت كمشروع ثقافي وفكري مع نهاية الحرب العراقية الإيرانية ثم غزو العراق للكويت، لكن التطورات السياسية لم تكن السبب الوحيد خلف فشل هذا التوجه، بقدر ما هو حجم التباين في سياسات الدول العربية رغم العوامل الدينية واللغوية والثقافية المشتركة بينها.

دول الخليج ليست استثناء، وبصراحة أجد من الصعب مثلا الدمج بين مناهج الدين في هذه الدول، والمرتكزة أساسا على عقائد ومراجع دينية مختلفة، على الرغم من أنني أرغب مثلا في رؤية صورة كتلك التي نقلت عن كتاب دراسي عماني لمجموعة من المصلين متعددي المذاهب وهم يصلون خلف إمام واحد منتشرة في مناهجنا الخليجية.

أعتقد أن المسألة لا تتعلق بالمناهج الدراسية، بقدر ما تتعلق بالقائمين عليها، وأعني هنا المعلم الذي يستخدم أسلوبه الخاص في إدخال المعلومة إلى رأس الطالب، فهو من يملك مفاتيح تلك العقول الطرية، وبإمكانه تحوير النص المكتوب، وإن كان معتدلا، بالشكل الذي يتسق وتوجهه الفكري.

العلة إذن تكمن هنا، والبداية يجب أن تنطلق من هنا أيضا. بإمكاننا مثلا إيجاد آلية لتبادل الخبرات التعليمية المعتدلة بين دول الخليج، فيعمل المدرس العماني في مدرسة قطرية والبحريني في أخرى سعودية وهكذا، وهناك مقترحات أخرى كثيرة يطول شرحها، ستخدم مشروع الوحدة المنشود فكريا قبل أن يكون ورقيا.