ومع عظيم شكري لكل الذين تفاعلوا مع مقالي بالأمس في تفكيك بيان ما سمي باثنين وخمسين عالما سعوديا حول الجهاد في سورية، تعالوا معي لنقرأ أخطر جملة مبهمة غامضة في هذا البيان، ولكنها أوضح من الشمس في إيحاءاتها الحمراء الصارخة. جملة واحدة في هذا البيان تحاول أن تستغفل الدهماء والعوام ولكنها لن تمر أبدا على النخب العاقلة في بنية الخطاب الإسلامي، ولا على العلماء الربانيين الأفاضل الذين استوعبوا خراج ألوية الجهاد المزعوم على مدى أربعين سنة في الخريطة الإسلامية. ما هذه الجملة؟
في الفقرة "ثالثا" من هذا البيان، وبالحرف الواحد ما يلي: "إلى قادة المجاهدين: إن الاجتماع على القائد المفضول خير من الافتراق على القائد الفاضل....". وهنا يبرز السؤال الأخطر: من القائد المفضول ومن القائد الفاضل اللذان يحاول هذا البيان الإيحاء إليهما، وإلى مجتمعات إسلامية باتت مع ثورة الاتصال الهائلة تعرف وتدرك تفاصيل التفاصيل لكل دقيقة من اليوم الواحد؟ أنتم أيها الموقعون على البيان الأخير، وبالبراهين، لا تدركون أنكم تتحدثون وتكتبون إلى جيل تقني رقمي يختلف عن الجيل القديم الذي اشترى ثلاثة ملايين نسخة من الكتاب الأشهر عن "آيات الرحمن في جهاد الأفغان"، ثم اكتشف بعد زوال الغيمة أنه كان ضحية تدليس وخداع هائلة لجهاد مزعوم كان فيه تجار الحروب ودهاقنتها يتبارون على قسمة الكعكة ما بين الفصائل الأفغانية الخمسة الشهيرة. لماذا أيها الموقعون على بيان تشرين الشعب السوري والرقص على مأساته لا تقولونها صريحة واضحة؟ لماذا لا تكتبون في بيانكم المحنط أن القائد "المفضول" هو أبومحمد الجولاني، قائد جبهة النصرة، ذات الجذر "القاعدي"، ولماذا لا تعلنون بوضوح أن الاجتماع عليه كقائد مفضول خير من الافتراق على القائد الفاضل "أبوبكر البغدادي"؟ لماذا تظنون أن المتلقي للغة البيان، ولهذه الجملة بالتحديد، وفي عالم اليوم لا زال ذلك الغبي الساذج الذي انطلت عليه كذبة "آيات الرحمن في جهاد الأفغان"، ثم تتوقعون مع ثورة المعلومات وتقنية الاتصال ومرحلة الوعي أنه جمهور يمكن أن نمرر عليه كذبة الخيار بين القائد المفضول والقائد الفاضل: بين الجولاني والبغدادي؟
أيها الموقعون على البيان: اتقوا الله واخشوه ولا تكرروا للشعب السوري المسحوق المظلوم تجربة الشعب الأفغاني. اتقوا الله واخشوه في شعب مسالم بدأ ثورته ضد نظام ديكتاتوري فاشي من مسجد صغير في درعا وكان لثورته العملاقة أن تنجح لولا أن 17 فصيلا دخلت باسم "الجهاد" لتنقذ رأس الثعبان وتعطيه الذريعة أمام كل هذا العالم، فلا زلتم في غياهب القاموس المحنط تتحدثون وترقصون على مأساة شعب عن القائد المفضول والقائد الفاضل... عيب.