في نيويورك يطرح بعضُ المسؤولين الأوروبيين موضوع اللاجئين السوريين، الذين ضاقت أوروبا ذرعا باستقبال الأعداد القليلة منهم التي طلبت اللجوء إليها. فبهدف تحويل الأنظار عن إجراءاتهم المتشددة بحق اللاجئين، وفشلهم في التوصل إلى اتفاق لتوزيع اللاجئين على الدول الأعضاء، بدأ هؤلاء المسؤولون بتوجيه اللوم نحو الدول "الغنية" الأخرى، مثل دول مجلس التعاون، مُدّعين أنها لم تقم بواجبها حيال اللاجئين.

لم يكلّف هؤلاء المسؤولون أنفسهم عناء التحقّق من صحة تلك التهم، التي رددها بعض الصحفيين دون تمحيص.

ومن الواضح جليّاً سبب شعور أوروبا بالذنب، ومحاولتها إلقاء تهمة التقصير على الآخرين، فالقوارب الأوروبية تطارد اللاجئين في مياه البحر المتوسط لمنعهم من الوصول إلى موانئها، وحرس الحدود في بعض الدول الأوروبية لا يتورع عن استخدام العنف لمنعهم من الدخول، ومئات اللاجئين يموتون في عرض البحر أو الطريق إلى أوروبا بسبب إغلاق الأبواب أمامهم. ولم يُخفِ بعضُ القادة الأوروبيين عُنصريتهم تجاه أولئك اللاجئين، وأغلبيتهم مسلمون. فكان أكثرهم صراحة (فيكتور أوربان) رئيس وزراء المجر، الذي قال إنهم يهددون الأسس المسيحية لأوروبا وثقافتها المسيحية، ثم أمر ببناء سور طوله 175 كيلومتراً على امتداد حدود المجر مع صربيا لـ"إبقاء أوروبا مسيحية"، حسب قوله. وأحرج أوربان بذلك القادة المعتدلين في أوروبا، خاصة بعد أن ظهر بعض قادة الاتحاد الأوروبي مع أوربان، فعلى سبيل المثال وقف "دونالد تسك"، رئيس المجلس الأوروبي، الذي يمثل قادة الاتحاد الأوروبي، إلى جانب أوربان في بروكسل ليشكره على "تأمين حدود أوروبا". و"تسك" هو الذي خطب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع موزعاً التهم على الدول الأخرى.

وفي الوقت نفسه، فشل الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى اتفاق لاستيعاب اللاجئين في دول الاتحاد، ففي الاجتماع الثالث الذي عقده المجلس الأوروبي لهذا الغرض في بروكسل في 23 سبتمبر، ناقش وزراء الداخلية الأوروبيون خطة لتوزيع 120 ألف لاجئ، هي الحد الأقصى الذي يرون أنه يمكن استيعابه في أوروبا، ولكن عدداً من الدول عارضتها بشدة، مثل المجر، وجمهورية التشيك، وسلوفاكيا، ورومانيا، ويُعتقد أن الخطة ستواجه عقبات قانونية عديدة ستمنع تنفيذها، في تلك الدول وغيرها.

ألمانيا على وجه الخصوص خالفت هذا التيار وأقرت خطة لاستيعاب مئات الآلاف من اللاجئين، لأسباب اقتصادية وتاريخية، تعود لتجربتها أيام النازية.

وفي خضم هذا النقاش، يلمح المتحدثون الأوروبيون أحياناً ويصرّحون أحياناً أخرى بما يزعمونه من تقصير من جانب دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص، مدّعين أنها لم تقم بما هو مطلوب منها، على الرغم من قُربها جُغرافياً من سورية.

دفعت هذه الاتهامات دول المجلس إلى إصدار بيان في نيويورك يوم الأحد الماضي (27 سبتمبر) أوضحت فيه ما قدمته للاجئين السوريين منذ اندلاع الأزمة السورية في مارس 2011. وفقاً للبيان، استقبلت دول المجلس حوالي 2.8 مليون مواطن سوري، حرصت على عدم التعامل معهم كلاجئين، فلم تضعهم في مخيمات معزولة، وأتاحت لهم حرية الحركة والتنقل، ومنحت لمن أراد البقاء منهم في دول المجلس الإقامة وفق القانون، بكل ما يترتب على ذلك من حقوق في الرعاية الصحية المجانية والانخراط في سوق العمل، والتحاق الطلبة بمدارس التعليم العام مجاناً، ومنعت ترحيل من انتهت عقود عملهم، وسمحت للعاملين السوريين فيها باستقدام أسرهم من سورية ومخيمات اللاجئين، وخصصت للطلبة السوريين مقاعد مجانية في التعليم الجامعي.

وفيما يتعلق بالمساعدات المالية، استضافت الكويت ثلاثة مؤتمرات دولية في 2013، و2014، و2015، لحشد الموارد المالية للمساعدات الإنسانية للشعب السوري، وكان إجمالي التعهدات التي قُدّمت من مختلف الدول في المؤتمرات الثلاثة 7.6 مليارات دولار.

وقدمت دول المجلس منذ عام 2011 مساعدات مالية للاجئين والمهجرين والنازحين السوريين، من خلال مؤتمرات المانحين في الكويت وخارجها، من القطاع الحكومي والمؤسسات الخيرية، بلغت حتى الآن 4.3 مليارات دولار تم تقديمها مباشرة أو عن طريق المنظمات الدولية والوطنية.

وبالإضافة إلى المساعدات المالية، قدمت دول المجلس مساعدات عينية تشمل بناء المدارس لأطفال اللاجئين، وتقديم المواد الغذائية والخدمات الصحية والسكن، بما في ذلك إقامة مستشفيات ميدانية وعيادات تخصصية في مخيمات اللاجئين والمعابر الحدودية، تقدم الرعاية الطبية للاجئين واللقاحات والعلاجات الوقائية، والعمليات الجراحية والإخلاء الطبي.

وفيما تستمر في تقديم المساعدات للأشقاء السوريين، دعت دول المجلس في بيانها الذي صدر في نيويورك، وخلال اجتماعاتها مع الدول والمجموعات الأخرى على هامش الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى أن يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته كاملة تجاههم بتقديم مساعدات سخية لهم في أماكن اللجوء خارج سورية ومناطق النزوح داخلها. ولكن الحل الجذري لهذه المشكلة لن يتم إلا بحل للأزمة السورية يتيح لهم العودة إلى ديارهم. ويقوم هذا الحل على مبادئ جنيف1، برحيل بشار الأسد وتشكيل سلطة انتقالية ذات صلاحيات كاملة يقرر من خلالها الشعب السوري مستقبل بلاده.