أنطوان لايريس فقد زوجته في حادثة التفجيرات الفرنسية الأخيرة، لكنه كظم غيظه وهزم الإرهاب وحدهُ بكلمات بسيطة وجهها إليهم أفقدتهم لذة النصر عنونها "لن تنعموا بحقدي".. "مساء الجمعة سرقتم حياة كائن استثنائي، حُب حياتي، أُمّ ابني، ولكن لن تنعموا بحقدي، أنا لا أعرف من أنتم، ولا أريد أن أعرف، فأنتم نفوس ميتة، أنا لن أمنحكم هذه الهدية التي هي حقدي عليكم مع أنكم سعيتم إلى ذلك، ولكن الرد على الحقد بالغضب هو رضوخ لنفس الجهل الذي جعل منكم ما أنتم عليه، تريدون أن ينتابني الخوف، أن أنظر إلى بَنِي وطني بعين مرتابة، أن أضحي بحريتي من أجل الأمان، خسرتم، رأيتها الصباح بعد أيام وليال من الانتظار، وجدتها بنفس الجمال الذي كانت عليه عند خروجها في مساء تلك الجمعة، بنفس الجمال الذي كانت عليه عندما وقعت في حبها هائما قبل أكثر من 12 عاما، وبالتأكيد أنا مدمر بالحزن، وأقر لكم بهذا الانتصار الصغير، ولكن سيكون انتصارا قصير الأجل، لأنني أعلم أنها سترافقنا في كل يوم، وأننا سنلتقي بها من جديد في ذاك الفردوس الذي لن تجدوا أنتم السبيل أبدا إلى دخوله، نحن الآن أصبحنا اثنين، أنا وابني، ولكننا أقوى من كل جيوش العالم. وبالمناسبة ليس لدي مزيد من الوقت كي أخصصه لكم، علي أن اذهب إلى ابني "مالفيل" الذي يستيقظ الآن من نومه، عمره الآن بالكاد 17 شهرا، سيتناول وجبته الخفيفة مثل كل يوم، وبعد ذلك سألعب معه مثل كل يوم، وطوال حياته كلها سيتحداكم هذا الصبي الصغير، بأن يكون سعيدا وحرا، لأنكم لن تنعموا بحقده أيضا".

قبل أيام شهدنا الأخبار التاريخية المؤلمة لتفجيرات فرنسا، والتي ذهب ضحيتها مصرع أكثر من 130 شخصا و350 جريحا حسب الإحصاءات وحسب تصريح وكيل نيابة العاصمة باريس، منهم 3 بلجيكيون و3 تشيليون وبرتغاليان ورومانيان وتونسيتان وجزائريان ومغربي وبريطاني وإسباني وأميركية وإسبانية من أصل مكسيكي، وهي كانت حادثة واحدة لسلسلة من الأحداث الإرهابية التي حشدت طاقاتها محاولة بث مآربها الحانقة في مختلف دول العالم. 

إنها محاولات خبيثة شيطانية ليست لدرء تحرر وطني من كيان محتل، وليست منفجرة من كبتِ قهرٍ اقتصادي، أو إذلالٍ طبقي عنصري، إنها محاولات معرفية  للإطاحة بالتحيز للمركزية الحضارية، وهي تأتي متراكمة عتيقة سليلة لبرابرة الإغريق والرومان وصدهم من قبل التحضر إلى الهمجية الأفروآسيوية، وصدها بالتنوير والتقدم وأخيرا حيث الإرهاب المتذرع بالديانات وصدهُ من قبل التمدن والحداثة.

إنها محاولات عقيمة ليس بالإمكان ربطها بعقيدة أو ديانة، وإن صرح أصحابها بذلك، فالمجرم ما هو إلا سلعة مفرغة محتواها، تسيّرها عقول رابضة في الآمان لتنجز عنها أهدافا على أكتاف ضحايا بريئة، فأيضا قد ذهب في هذا متطوعون من جمعيات خيرية فرنسية مسلمة، وهم يقومون بأعمالهم الإنسانية اليومية، قتلوا جميعا أمام إحدى المقاهي التي استُهدفت.

أخيرا.. يقول الشاعر البريطاني جون لينون "نعيش في عالم نختبئ فيه لممارسة الحب، بينما يمارس العنف فيه في وضح النهار"!