طوال السنوات الخمس الماضية، نسيت أن مرتبي ليس فقط ما أستلمه نهاية كل شهر، لأني تكيفت مع ما يتركه البنك بعد حسم قسط قرضه، حتى جاء يوم أمس، عندما تذكرت أن راتبي يزيد رسميا بمقدار الثلث!
ذكرني به اتصال من البنك زف بشرى تأهلي -عما قريب- للحصول على قرض جديد، ومقدما عروضا جعلتني أفكر في القرض، حتى قبل أن ينتهي الحالي!
بالمناسبة، هذا الاتصال يستحق الاحتفاء، لأنه لا يأتي في الغالب إلا مرة كل 5 سنوات، فهو بمثابة "تصفير عداد" تأهبا لجولة أخرى مع قرض جديد.
لدى بعض مندوبي البنوك قدرة عجيبة على الإقناع. صحيح بداية سأشجب وأستنكر وأعرب عن قلقي أكثر من "بان كي مون"، لكن في النهاية أعبر له عن امتناني، وأحمّله تقديري للبنك ومجلس إدارته وكافة موظفيه، لتكرمهم منحي قرضا يجلد راتبي لخمس قادمة!
لست وحدي من يعيش دوامة القروض، فغالب المواطنين كذلك. وأذكر أني قرأت قبل 3 سنوات تصريحا لمسؤول مصرفي يزف التهنئة بتصدر السعوديين قائمة المقترضين في العالم العربي، مبينا أن 80% من السعوديين لديهم قروض بنكية إلى جانب قروض بطاقات ائتمانية. ولا أعلم كم بلغت نسبتهم الآن؟!
شخصيا.. وحتى اللحظة، لم أقابل شابا سعوديا براتب خال من الأقساط، لم أجد واحدا لم يتلطخ معاشه بدماء القروض. أمنيتي أن أجد أحدهم ليشرح كيف لم يعرف القسط إلى راتبه سبيلا. أود أن أسأله كيف تزوج بلا قرض، وكيف امتلك منزلا بلا قرض، وكيف اشترى كذلك سيارة بلا قرض.
إن لم يكن استطاع ذلك بالاقتراض، فكم من الوقت لزمه ليجمع تحويشة العمر، ثم كيف صمد أمام الغلاء وارتفاع الأسعار، وكيف نجا من كوارث الأسهم والمساهمات الوهمية؟!
هل هناك عالم آخر يعيشه ذلك الموظف غير عالمنا هذا ونحن لا ندري عنه، ليتني أجده لأحصل منه على الخلطة السرية، وأجمع فيما تبقى من عمري ما عجزت عن جمعه خلال عقد ونصف من العمل والقروض!