عندما نستعرض الأحداث قبل بداية عاصفة الحزم، وبدراسة مراكز القوى على الأرض في اليمن آنذاك؛ فإن الكثير أصيبوا وقتها بإحباط وتشاؤم كبيرين، وكتب الكثير -ومنهم أنا- خوفا من تحول اليمن إلى سورية أو عراق جديد، بما في ذلك من صور الألم والمعاناة من طائفية قاتلة وحروب تطرف بين أقصى اليمين من طرفي الصراع؛ بين متطرفي السنة كداعش والقاعدة ومتطرفي الشيعة بقيادة إيران وميليشياتها المرتزقة باختلاف أشكالها.

كانت الصورة هي سيطرة ميليشيات الحوثي التي كانت الحركة الوحيدة التي تمتلك سلاحا وميليشيات منظمة، كان يحتفظ بوجودها علي صالح لاستخدامها في ابتزازاته المعروفة، ولم يكن هناك أي تيار أو حركة أخرى قادرة على البقاء خارج سلطة الدولة آنذاك لمواجهة المد الحوثي الإيراني.

كان هناك وجود لبعض تجمعات القاعدة المتناثرة إلا أنها ضعيفة وليست مؤهلة آنذاك، إلا أن مثل هذه الحركات خطيرة في سرعة انتشارها، خصوصا مع حالتي اليأس والظلم اللتين كانتا تسودان بعد تمرد الحوثي وانقلابه.

الخلاصة، أن الصورة كانت سوداء في اليمن، ولم يكن أحد يتوقع نجاح أي محاولة عسكرية؛ لعدم وجود قوات مساندة على الأرض، سوى مجموعات شعبية تفتقد الخبرة والمعرفة العسكرية، ساقتها الكرامة والنخوة للوقوف في وجه المد الثوري الإيراني في شكله الحوثي!

وأصبحت دول المنطقة وعلى رأسها المملكة بين سندان القبول بالاحتلال الإيراني غير المباشر على اليمن أصل ومنشأ العروبة، وما يتبع ذلك من حصار للمملكة شمالا وجنوبا مع السيطرة على أهم منفذين بحريين للمملكة "هرمز وباب المندب"، إضافة إلى النتيجة الحتمية من تحول اليمن إلى أداة جديدة وقريبة في تدخلات إيران بالمنطقة، ومركز لزعزعة الاستقرار والأمن!

والخيار الثاني كان هو انتظار رد فعل الحركات والتنظيمات المتشددة التي كان من المؤكد نشوؤها في اليمن، خاصة مع حالتي اليأس والاضطهاد اللتين تصاحبان أي نفوذ إيراني كما هو الحال في العراق وسورية ولبنان. وبالتالي؛ ستتحول اليمن إلى منطلق لبث التشدد والإرهاب، إضافة إلى العراق وسورية حاليا!

أما خيار الحرب وتحمل تكلفة دعم الرئيس الشرعي الذي لا يسيطر على حزب سياسي، فضلا عن قوة عسكرية يمكن الاعتماد والتعويل عليها، مع عدم وجود تجمعات مسلحة مؤكدة تدين بالولاء للشرعية آنذاك.

وبالتالي؛ فإن المهمة ستكون صعبة وشاقة جدا؛ إذ لا يكفي الدعم الجوي للحرب، بل لا بد من إيجاد تجمعات مسلحة وتدريبها ودعمها بالسلاح، لتكون نواة لقوة عسكرية يمكن الاعتماد عليها في مواجهة قوات صالح المدربة التي تمتلك خبرة وسلاحا، والأهم من ذلك أنها قوات منظمة ومستقرة من ناحية التنظيم والولاء وهكذا، وكذلك قوات الحوثي التي تمتلك روحا قتالية عالية بفضل الشحن الطائفي المتطرف الذي تغذي أتباعها به وتعتمد عليه بشكل كامل.

ولأجل هذه الأمور، إضافة إلى الظروف الدولية وتعقيداتها؛ فإن الكثير لم يكن يتوقع اتخاذ المملكة قرار الحرب بما فيهم إيران ومرتزقتها هناك!

فلم يكن يخطر لهم ببال حجم غضب السعودية، وإلا فمن المؤكد أنهم لم يكونوا ليتخذوا قرارا جريئا مثل احتلال صنعاء بهذه السرعة! ولكن ما الذي حدث؟

بدأت ضربات عاصفة الحزم بشكل مفاجئ لم يكن يتوقعه أحد بعد عبور مرتزقة إيران نحو عدن، وكانت على وشك السقوط في أيديهم، واستمرت الضربات الجوية فترة طويلة، ولم تتمكن قوات علي صالح ولا الحوثيين من إصابة أي طائرة للتحالف حتى اليوم، كما إنها لم تتمكن من إطلاق أي صاروخ إلى داخل الأراضي السعودية سوى اثنين بعد أشهر من بداية العملية، وكلاهما تم إسقاطهما بالصواريخ المضادة، كما لم يتمكنوا من اختراق الحدود السعودية إلى اليوم، على الرغم من احتمالية ذلك مع استحضار صعوبة المنطقة الجغرافية واتساعها، إلا أنه لم يحصل حتى اليوم، وهذا إنجاز كبير يسجل بفخر لقواتنا المسلحة.

كانت الضربات الجوية لأجل كسب الوقت وإعاقة المتمردين لأجل إعداد المهمة التالية والأصعب، وهي تجميع المجموعات المسلحة وتدريبها وتنظيمها وتسليحها بشكل جيد، وهي مهمة تحتاج إلى سنوات غالبا، إلا أن النتائج اليوم كانت جبارة، ففي فترة وجيزة تم تشكيل جيش شرعي بألوية وكتائب متعددة -مع الاستفادة من الألوية المنضمة للشرعية بالطبع- وأصبح اليوم يمكن الاعتماد عليه نسبيا ليس فقط لأجل الاحتفاظ بالمنجزات، بل تحول اليوم ليكون في وضع الهجوم، ويحقق نتائج وانتصارات بشكل مستمر، كان آخرها تحرير باب المندب وجزيرة ميون وأحد الألوية هناك، وهي منطقة استراتيجية جدا، خصوصا لأجل السيطرة على المضيق ومنع تسرب السلاح لأيدي المرتزقة بسبب قربها من الطرف الأفريقي هناك.

المعركة اليوم قريبة جدا من صنعاء بعد تحرير أغلب مأرب، وأعتقد أن المتمردين يستميتون اليوم بكل ما يملكون من سلاح وعتاد لأجل إبقاء المعركة بعيدة عن صنعاء، لمعرفتهم أن سقوط صنعاء يعني انتهاءهم، ومن المتوقع أنهم يستنفدون كل قوتهم وعتادهم في معركتي مأرب وتعز لهذا السبب، ولهذا فقد يكون سقوط هاتين المدينتين يعني استنفاد الجزء الأكبر من العتاد الذي يملكونه، وقد نشهد انهيارا كبيرا بعد سقوطها، ولكنهم يحاولون اليوم بكل ما أوتوا من قوة حشد الصراع بالطائفية واستثارتها لأجل استمالة الحمقى والسذج لصالحهم، وقد تحقق جهودهم هذه نجاحا خاصة أن مستوى التعليم والثقافة متدنية جدا في اليمن، وهي البيئة المحببة للنفوذ الإيراني دائما لاستمالة السذج والبسطاء سواء بالاستيلاء على عقولهم بالطائفية أو بالمال والشراء للذمم، إلا أن قوات التحالف تعي هذا ولم تلجأ إلى الطائفية إطلاقا.

خلاصة ما أريد قوله؛ إن الجيش السعودي وقوات التحالف قاموا بجهود ونجاح استثنائيين، ولا يمكن لي أن أصف ذلك بالكلمات، ولو انتهت المهمة بنجاح فستكون المعادلة مختلفة كليا، وستصبح المملكة ودول الخليج بلباس مختلف عما كانوا عليه قبل الحرب كليا، ولا أقلل من صعوبة المهمة والعقبات الكثيرة، إلا أنني أدعو الله أن ينصر أشقاءنا اليمنيين الأحرار وقواتنا هناك، وأن يحفظ أهلنا المدنيين الأبرياء.