إنّ كل فعل يُؤدّى يُتوقع له نتيجة، فمن يتعلم "نتوقع" أنْ يَحصل على شهادة، ومن يعمل صالحا "نتوقع" أن يكون صالحا، إنها نظريةَ التوقُّع. ماذا إن تمت برمجتك لكي تكون معتقداتك ومناظيرك تجاه الأشياء خاضعة لسيطرة أحدهم وضمن مخططاته. هذا نوع من التوقع حينها ستكون تحت السيطرة كليا، معتقدا أنها الحقيقة بإرادتك، وهذا أقوى أنواع السيطرة، وفي نفس الوقت أنت مجرد دمية.
مازالت صورة الشاب الصغير المراهق وهو يلهث حين أمسك به بعض المصلين بعد خوفه وهروبه من المسجد تثير الكثير من التساؤلات. كما أن وصفه بالإرهابي كانت من المبالغات غير المنطقية التي أطلقتها بعض وسائل الإعلام. فالأمر أكبر من كونه إرهابا، وأقل من وصفه بإرهاب في الوقت نفسه.
مراهق في السابعة عشرة يظهر مبديا رأيا متعصبا وقت خطبة الجمعة الماضية عن جماعة ما طالما علموه أنها الأفضل والأصلح. يهب الجميع للإمساك به، المراهق الطفل يبدو عليه الخوف والهلع. لماذا يلاحقونه، لماذا يعاقبونه؟! هو الزهرة التي أثمرت من الأرض التي سقيت بالماء ذاته لكل هذا التسونامي المريع للفكر الظلامي.. نعم لم يكن هناك من حادثة تستحق، فقط مراهق يناقش الفكر والمعلم ذاته الذي تعلم منه.
السؤال الأهم الآن هو: من المسؤول عن ظهور هذا النموذج "الطفل الإرهابي" مع تأكيد أنه لم يأت من كوكب الشر، بل جاء من المدرسة المجاورة للمسجد؟ من الحي ذاته الذي يسكن فيه إمام المسجد. بروز مثل هذه النماذج في مجتمعاتنا دليل كاف وقطعي أن هؤلاء الذين انساقوا وراء هذا التيار هم في جلّهم، إن لم نقل كلهم، من الشبان الذين يقلدون ويتبعون دون دراية. هو بالتأكيد لم يكسر القاعدة، هو فقط لم يفهم التناقض الدرامي لما تم تعليمه إياه، ولم يقل له في خطبة الجمعة اليوم غير ذلك.
طرح أسئلة من نوع كيف تم توريطهم في هذه الأفكار والتوجهات، أو ما هو دور الإعلام والتوعية؟ هي أسئلة متأخرة كثيرا، وليست ذات صلة مباشرة بما وبمن خلق هذا النموذج. المرجعية البنائية، وحسب النظرية البنائية التي شكلتهم، قد ركَّزت على أنَّ المعارف التي يَعرفها الإنسان ليست لحظيَّة، وإنَّما هي تراكمات لمعارف سابقة، أضيفت إليها أخرى لاحقة في فترات مختلفة، فسميت بنائية؛ لأنّ المعلومات والمهارات والخبرات تُبْنَى على مدى طويل، فالطفلُ تنمو معارفه وتتراكم حتى يكبر، معتمدا بداية على الخبرات السابقة، ثم يبدأ بالتعلّم ذاتيّا، حتى يصل إلى بناء مفهومه الخاص به. أن تتمكن من فك البرمجة أو حتى ملاحظتها هذا يتطلب وعيا وذكاء كبيرا وتركيزا أكبر.