حينما تبحث في Google عن عنوان المقال فلن تجد جوابا مطلقا، لأن الموضوع اكتشاف علمي أحدث ضجيجا في الصحافة العلمية الغربية، ورغم قدمه إلا أنه لم تتم تغطيته باللغة العربية، لذا لم يتح على محركات البحث. وإنما قدرت أهميته أجنبيا أيضا نظرا لما أحدثه من إثراء للدراسات الأكاديمية المتخصصة في مجال الإعلام العلمي وتأثير عمليات الاتصال العلمي وتفاعلها مع الإعلام.
فقد اعتبرت حفرة ميسيل الألمانية في الصحافة العلمية الإنجليزية على أنها من أهم الأحداث التي تناقلتها وسائل الإعلام من أخبار العلوم، وأحدثت ضجة في الوسط العلمي كخبر ضاهى في دويه مشروع الجينوم البشري في الولايات المتحدة حينها. الحقيقة التي جعلتني أورد حفرة ميسيل هنا لأنها كنز لا يقل في قيمته عن حفرة مغارة الشويمس المكتشفة في المنطقة الوسطى السعودية، لو نظرنا إلى المغارة من جانب علمي بحثي وبأدوات النظر والبصيرة العلمية التي اتبعها علماء الأحافير الألمان في إعادة اكتشاف حفرة ميسيل في ألمانيا، وبعيدا قليلا عما اقترحه مقدم الحلقة على قناة العربية د.عيد اليحيى من ضرورة جلب السياح والفنادق فهي خطوة لا يصح -من وجهة نظري- البدء فيها طالما أن المغارة تحتوي على هياكل عظمية للحيوانات وتوجد فيها آثار جيولوجية وعينات بحثية مهمة قد تسهم في إحداث اكتشافات لنتائج مهمة لحقول علمية مهمة.
ما أراه مهما كوجهة نظر عندما يتعلق الأمر بمغارة الشويمس ومثيلاتها من الحفر والمغارات الأثرية التي قد تكتشف في البلاد:
1- أن مغارة الشويمس حاليا تعتبر حتى الآن كنزا مهما بعيدا عن فهم العامة، تتعلق أهميته باحتوائها على عينات بيولوجية وجيولوجية وطبيعية مهمة استعرضها التقرير المتلفز بتلميح عام، ولا يثمن قيمتها سوى علماء الأبحاث المتخصصين في المجالات التي تبحث وتدرس في علوم الأحافير والجيولوجيا والآثار (الذين قد يستعان بهم خارجيا من أصحاب الخبرة وقد يمكن أن يستعان بخبراء المعهد الألماني إن دعت الحاجة).
2- حفرة ميسيل Messel Pit كانت منجما قديما في منطقة ميسيل بألمانيا استغل لاستخراج سجيل زيتي، ولكنه فيما بعد عثر في الحفرة على أحافير لحيوانات عاشت قبل 40 مليون سنة، سميت بالعصر الأيوسيني، ومن ثم قيدتها هيئة اليونسكو كموقع للتراث العالمي. وعثر في تلك الحفرة على أحافير لمجموعة من الحيوانات والحشرات والنباتات المتحجرة، كما عثر العلماء على أحافير أحصنة منقرضة Propalaeotherium وEurohippus واستخرج منها أكثر من 70 أحفورة (هياكل عظمية سليمة وكاملة تقريبا) وعثر على أحفورة من نوع طائر الكركي المنقرض "ميسيلورنيس كريستاتا"، وعثر على أحفورة إحدى الرئيسيات (الثدييات) القديمة "داورينيوس ماسيلاي" Darwinius masillae، وكانت دليلا في سلسلة تطور الثدييات قبل 47 مليون سنة.
3- بعد اكتشاف الحفرية، عهد بها إلى "جمعية شنيكنبورج للبحوث الطبيعية" التي تقوم بدراسات الأحفورات في السجيل الزيتي. وبعد تمام استخراج الثروة الهائلة من الأحافير الطبيعية وضمها إلى لائحة التراث العالمي، وتم إنشاء متحف قريب من الحفرية وضعت فيه هياكل الأحافير المنقرضة.
وفي مثل هذه الحالات، يفترض أن يظهر اهتمام وسائل الإعلام بالاتصال العلمي وأن يكون في موضع الترحيب، خصوصا في السعودية، لما تتمتع به من نمو متسارع في هذا الجانب (الإعلام)، وعلى أية حال: فإن موجة التغطية الإعلامية عن العلوم ظاهرة تستحق الدراسة المنهجية في هذه المرحلة من التقدم الحضاري العلمي الذي نشهده، وبعبارة أخرى: ما هي، إن وجدت، الآثار المترتبة على اهتمام وسائل الإعلام الشديد بالعلم؟ الإجابة عن هذا السؤال ربما تمهد لفتح مراكز إعلام علمي وطنية مستقبلا، والبحث في إمكانية استقلال أقسام إعلام علمي عن أقسام الإعلام والصحافة في الجامعات لما سيكون لذلك من آثار حضارية مهولة لا يمكن حصرها في مقالة.