بداية انطلاقتي الإعلامية كانت في الكويت، هذا البلد الذي شكل مرحلة مهمة في حياتي، عشر سنوات مضت منذ غادرته متجهة إلى باريس، ولا يمكنني أن أنكر حجم التغير الذي طال مختلف مناحي الحياة فيه.
زيارتي الأخيرة لهذا البلد تتزامن مع مرحلة حساسة تمر فيها المنطقة، وألقت بظلالها على الداخل الكويتي، خاصة بعد أن امتدت إليه يد الإرهاب وحاولت أن تضرب تلك اللوحة الجميلة من التمازج بين مكونات هذا المجتمع.
حالة الترقب والقلق تشعر بها عندما تنزل إلى الشارع وتبدأ بالحديث إلى الناس، سمعت من بعضهم أن الوضع حاليا بات أسوأ من أيام الغزو العراقي، عندما كان للكويتيين عدو واحد معروفة هويته وأهدافه، اليوم يبدو هذا العدو خفيا، فهل هو قادم من الخارج أم أنه يعيش بين ظهرانينا؟ سؤال طرحه شيخ كويتي تحدثت إليه في سوق المباركية أحد أقدم الأسواق في الكويت.
لا أنكر شخصيا أن الكويت بلد صغير يغوص في عمق منطقة معقدة في تحدياتها، لكن الكويتيين استطاعوا دائما التغلب على أزماتهم، ووصفتهم السحرية في ذلك كانت تلك المساحة الواسعة من حريات الرأي والتعبير التي منحت لهم، وسمحت بممارسة برلمانية ديموقراطية هي الأقدم في منطقة الخليج، وبسببها تحول هذا البلد إلى منارة إعلامية حرة استقطبت أهم الصحفيين العرب، في وقت كانوا يعانون فيه من القمع والاضطهاد في بلدانهم.
يبدو أن هذا الأمر تغير الآن، والأسباب بحسب الكويتيين كثيرة؛ فهناك من يرجعها إلى مرحلة الغزو العراقي الغاشم، وكيف أنه نجح في خلق حالة من الانطوائية داخل نفوسهم تجاه أشقائهم العرب خارج المظلة الخليجية، وهناك من أرجعها إلى الحراك السياسي الذي شهدته البلاد إبان ثورات الربيع العربي، والذي خلف شرخا داخل المجتمع الكويتي نفسه، فبدأنا نسمع بمصطلحات عرقية ومذهبية لم تكن تجد لها بين الكويتيين مكانا يوما ما.
كنت قد ذكرت، أن سلطنة عمان اختارت سياسة مختلفة بسبب وضعها الاجتماعي الحساس. المشهد في الكويت يبدو أكثر تعقيدا، فعُمان يخدمها موقعها الجغرافي البعيد عن القلاقل والمنغصات الإقليمية، فيما تحتل الكويت موقعا في عين العاصفة، حتى إن أحد الكويتيين صارحني بالقول، إنه بات يلمس عدم إحساس الناس بالاستقرار هنا، عندما يسمع أن لكل عائلة كويتية اليوم بيتا في الخارج تحسبا لما هو أسوأ.
لا أريد أن أكون متفائلة، فأهل مكة أدرى بشعابها، لكنني أعتقد أن الكويتيين شعب متفرع الأصول، قرر يوما ما أن يبني دولة بكل ما تنطوي عليه تلك الكلمة من معاني الحرية والديموقراطية والمدنية، ومن الطبيعي أن تمر تلك الدولة بمرحلة مد وجزر، لكن البذرة السليمة كانت موجودة منذ البداية، وأزهرت جيلا من الشباب الكويتي الواعد الذي شعرت بالفخر وأنا أتحدث إليه، وأعتقد أن هؤلاء الشباب سيكونون المفتاح لعودة الكويت يوما ما واحة لكل من ينشد الحياة والحرية، كما صنع مجدها رجالاتها الأوائل.