والعنوان بعاليه هو اقتباس لنصف عنوان الزميل العزيز، خلف الحربي، في رأس مقالته لما قبل الأمس. كلتا (تكفى يا سعد) كانتا المقطع اللغوي الحزين المؤلم من فم الشاب الصغير (مدوس العنزي) وهو يجثو على ركبتيه أمام ابني عمه في المشهد الذي هز قلوب الملايين. في المقطع الذي تداولته هذه الملايين وللمفارقة: أغلبها لم يفتحه ولم يستطع أن يشاهده. في هذا المقطع الوحشي برهان على أن الكلمة أقوى من الرصاصة. بكيت بعمق لأن ما تبقى في كوابيسي من هذا المقطع لم يكن صوت الرصاصة الغادرة، بل هي صرخة الاستغاثة (تكفى يا سعد). كنت مجبرا ككاتب أن أشاهد هذا المقطع المخيف، ومع هذا أقفلت الجوال عندما سمعت (تكفى يا سعد). استمعت لصرخة الإنسان من اللسان وحتى اللحظة لم أستطع مشاهدة الرصاصة. وصل بي الخيال إلى هستيريا الهوس: ماذا لو أن (سعد) ابن أخي الأكبر، وأكبر أبناء أعمامه الأربعة يستدرج مازن أو عبدالله أو المثنى أو غالب إلى مغارة جبلية في جنوب قريتنا، وماذا سيكون في ما تبقى من حياتي أم مازن أو أم عبدالإله وهما تعيشان كل الباقي من دقائق وثواني أعمارهن تحت الضغط المخيف... (تكفى يا سعد).

دعونا نخرج من السرد العاطفي لهذه الصرخة اللغوية المؤلمة إلى ما يمكن أن يفيد ويبقى من تجربة هذه القصة. سأشكر من الأعماق أخي، راضي العنزي، والد المجرمين سعد وعبدالعزيز، لأنه خرج بكل شجاعة إلى كل طلب تلفزيوني أو صحافي ليشرح كل التفاصيل في حياة مجرمين. سأشكره لأنه شرح لآلاف الأسر باب الخوف الواسع في مراقبة سلوك الأبناء التي قد تصحو في زمن قادم قريب على ما لم تكن تتوقعه... (تكفى يا خلف). نحن استمعنا من راضي العنزي إلى قصة ولديه، ولكن: لماذا في المقابل لم يظهر آباء مجرمي مساجد الدالوة والقديح وطوارئ أبها ومسجد العنود بالدمام بذات الشجاعة التي كانت لراضي العنزي؟ لماذا لم نسمع ولم نشاهد مقطعا واحدا لآباء القباع والقشعمي والشمري، ولوالد الأخوين الزهراني في حادثة حي المؤنسية الأخير بالرياض؟ أين هو عبدالله السليمان والد يوسف الذي قتل وأصاب عشرات رجال الأمن في مسجد طوارئ أبها: هل كان الابن ضحية أفكار أبيه وتربية أسرته؟ أم أن ما فعله جاء بسبب تأثيرات خارجية بعيدة عن الأسرة؟

أعرف أنني وضعت أسئلة الاستفهام على الجرح، وبدلا من الصرخة (تكفى يا يوسف) كان لنا أن نقول (تكفى) لشخص غيره.

والخلاصة أننا لا نريد مع هذه المرحلة الخطيرة من زمان (تكفى) أن نعرف ونتعرف على المنتج الهالك فحسب، نحن نريد من المعلومات أن تدخلنا إلى المصنع. إلى البيئة والأسرة وسلوك الوالدين. نحن سمعنا أصوات الرصاص والقنابل، ولكننا لم نسمع صوت الأب، وأنا هنا لن أعمم. نحن نريد أن نسمع من لسان صانع القنبلة.