هل جاء الدين لأجل الحياة أم الحياة جاءت لأجل الدين؟ سؤال يتبادر لذهن كل من يتناول الفقه وإن من باب المعرفة، وانطلاقا من قاعدة مهمة ترى أنه "حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله"، يأتي الجواب مؤكداً بأن الدين جاء لأجل الحياة لا العكس، بالتالي فإن النظر للحياة من باب الإفتاء وتغييب الواقع ومصالحه هو عملية إلهاء مورست كثيرا فأعاقت إنسان الحياة عن تحقيق مصلحته التي هي شرع الله.
عملية الإلهاء هذه هي أبرز صفة للمنجزات الفقهية التجديدية التي اعتمدتها وزارة التربية والتعليم، فكتاب الفقه للصف الأول المتوسط بتفصيلاته المقلقة التي تخاطب طفلة وكأنها تعدها لتخصص فقهي دقيق، وبغياب تام عن متطلبات المرحلة العمرية، يضيف المؤلف - في الركن الخاص بستر العورة - للمرأة عورة "الوجه والكفان" في الصلاة، وبرأي أحادي ينفي الآخر ويعدم وجوده، ولا يهمه من الآية الكريمة التي استدل بها "يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" عمومية لفظها بل يلجأ إلى تفصيل يخص المرأة، لتتنوع عورتها حسب حضور الرجل في أجواء صلاتها من عدمه، وبإهمال تام للجمع بين الأدلة كشمولية فهم لمعاني النصوص، فيضرب بفائدة الاستدلال من الآية بإخراجها من إطارها العام، وحبسها بذكورية مخصوصية، ليجعل النداء لبني آدم خاصاً بالرجال دون النساء، وبإفراز فقه عورات خاص يُدبّل على المرأة تمهيدا لرفض وجودها وحجبه عن الحياة.
ويعامل الكتاب أحكام الرجال بتقديس ملزم، وكأنها نصوص أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم، كحكم أبي هريرة بحرمة خروج المسلم من المسجد بعد سماع الأذان ص 69، رغم أنه حكم يتوجه للنية التي هي علم الله وحده!
عن أبي الشعثاء قال: كنا قعودا في المسجد مع أبي هريرة فأذن مؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم".
هكذا وبسلطة الحقائق المطلقة التي عتقتها الأزمنة وغلفتها بأسدال التقديس!
ولأن الطهارة تفترض النظافة، والنظافة ترتبط بالماء، إلا أن المؤلف يجيز الاستنجاء مطلقاً وبلا تقييد بوجود الماء، وهي نتيجة طبيعية لوسوسة الاتباع الغبي:
يجوز الاكتفاء بالاستجمار وحده بشرطين:
1- ألا يتعدى البول والغائط الموضع المعتاد لخروجهما.
2- أن يكون الاستجمار بثلاث مسحات فصاعدا.
وهنا سؤال للوزارة مهم: أين الخبراء الذين أشرفوا على التجديد؟ ألم يعوا خطورة هذا التفكير على صحة الإنسان، وتسببه بانتشار الأمراض؟!
وبغياب البحث عن الدلالة، ناهيك عن الاقتراب من المغزى الذي يؤسس لاجتهاد بفقه المرحلة وراهنيتها، ويسعى لتغليب المقاصد، يتناول الكتاب السواك والفرشاة بما ينفي الربط بين العمل والقصد؛ "عموم النظافة".
س: "السواك هو عود الأراك الذي يؤخذ من شجرة الأراك، ومن تسوك بغيره فقد خالف السنة"!! ناقش العبارة السابقة.
وفي فقرة تتناول "الفرشاة والمعاجين الحديثة"، حديثة حسب رؤية المؤلف، يقول لا بأس من استعمالها عند فقد السواك، وهي لا تغني عنه، وينشغل الكتاب بالسواك لدرجة إدراج قصة يحاور السواك فيها الفرشاة بخيال سطحي، ليؤكد عدم الاستغناء عن السواك بالفرشاة والمعجون، مضيفاً خارطة للسعودية تبين مواقع شجرة الأراك!
إنه تجديد لا يدرك سره إلا أفذاذ الوزارة!
يدعو الكتاب باستمرار لترك الشك وعدم الالتفات إليه، وفي قائمة فكر لكل درس تصطدم بكل أنواع الشكوك والوسوسة، مثلا:
توضأ محمد ثم صلى الظهر، فلما أراد الصلاة شك هل أحدث أم لا، فهل يجب عليه الوضوء ولماذا؟
توضأ محمد (وهو مقيم) فغسل رجليه الساعة الثانية ظهرا، ثم لبس جوربيه، ثم أحدث، فلما كانت الساعة الثالثة والربع عصرا "لاحظ الدقة بالربع" توضأ ومسح على جوربيه، فمتى تنتهي مدة المسح بالنسبة له؟؟ ولماذا؟
ابتدأ فهد المسح على جوربيه الساعة 10 صباحا يوم الاثنين فتوضأ ومسح على جوربيه وصلى الضحى، ثم استمر يمسح عليهما حتى توضأ لصلاة الظهر يوم الثلاثاء الساعة 12، ثم مسح عليهما العصر، وبعدها تذكر أنه تجاوز المدة المحددة شرعا للمسح، متى تجاوز فهد المدة المحددة للمسح؟ هل تصح الصلوات التي صلاها فهد بعد أن تجاوز المدة المحددة شرعا ولماذا؟
وهنا يتبين أن تحديد الرسول عليه الصلاة والسلام لمدة المسح بالأيام تجاوزه الفقهاء بعقد التضييق إلى الساعات والدقائق؟!
ولا تتساءلوا عن منهج التكفير الذي بلينا به ما دمنا ندرسه لطفلة ربما تكفر صديقتها لأنها لا تصلي، وهي دون سن التكليف!
"من قال إن الصلاة ليست واجبة علينا، فيعلم إن كان جاهلا فإن استمر على إنكاره فهو كافر مكذب لله ورسوله ولإجماع المسلمين".
أحد المؤلفين ربما له صلة بالمرور، فقد لوّن كلمة مباح بالأخضر، وبالأحمر كلمة حرام، كتمييز لحدود التجديد العظيمة.
ذكرت الوزارة أنها استعانت بخبراء، واستفادت من تجارب الدول، فما الدولة التي تقصد؟ هل تعني دولة بني أمية مثلا؟! ربما تكون هنا صدقت!