ما حدث في مقتل دويس العنزي ليس كما حدث قبله، لا يمكن اعتباره مجرد رقمٍ في حماقات هذا الوقت من التاريخ، إنه جرح في مقتل، دويس العنزي هذه المرة علامة مفزعة، وأكرر أنه لا يمكن تسجيله اسما في قائمة الموت الأكثر غبنا، وأعيد أن ما حدث وكزة في الصميم، وطعنة شنيعة في البنية الأساس.
بنية مجتمعات الجزيرة العربية عائلية، والدين لم يكن جوهريا تماما بعكس الصورة الرائجة، بل إنه منذ الصراعات الأولى، حتى في أقصى التطرف فيه، لم يكن سوى أداة لكسب النزاع العائلي والقبلي والسياسي، رعاية الهوس الديني كانت دوما أفضل غطاء، أما الدين نفسه فلم يكن هدفا مباشرا بمعناه السامي، مهما تفاقم في الشكل والشيوع والسطوة اليومية. حسنا، ماذا يعني أن يقدم أخوان على خطف ابن عمهم اليتيم، الذي تربى بينهم في بيتٍ واحد، واشتركوا أدق ما يكون بين ذوي اللحم واللقمة والسقف الواحد، من الدم إلى الضحك، ومهما يكن للبيوت من أسرار أو علائق، إن وجدت، فلا أحد في النهاية سيهتم بغير ما رآه، ماذا يعني أن يختطف أخوان ابن عمهما اليتيم بغدر، ثم يقيدانه أعزل، لم توقظهم كل توسلاته! القاتل يتكلم بيقينٍ عدواني، والآخر يقوم بتسجيل الفيديو بدمٍ بارد، موثقا لحظة انهيار الشيمة والمروءة، ثم إشاعته والتباهي به. هذه لم تكن حادثة تطرف ديني فحسب، إنها اختراق شيطاني حقير في أساس التركيبة.
سبقت هذه الحادثة أن أحدهم قتل والده في الخميس، آخر قتل عمه في الرياض، ثم فجّر نفسه في نقطة تفتيش، وامرأة أطلقت على زوجها النار في الباحة، كل هذه كانت أخبارا، تمضي مع آلام الأخبار العاجلة، لكننا الآن أمام تسجيل فيديو عائلي مُدبّر، لا يفيد معه أي اختلاق، لقد طالعته البيوت وملايين الأجهزة، والله يعلم كم من المراهقين والحمقى تسرّب إلى عمائهم هذا الخراب. المؤسف أنه انتشر في حيّزٍ واسع، شارك في رواجه كثيرون جدا، بطيب أو سوء نية، سمعت شخصيا أطفالا يتحدثون عنه ويصفون القاتل والقتيل، وأعينهم تتّقد. الأب خرج للحديث مكسورا عن ابن أخيه، ومحبطا من ولديه، يدعو عليهما، ويقول إنهما حطما حياته.
أخيرا إن ما حدث مقلق، لأنه شرخ في الجدار الاجتماعي الأخير، ومتى ما استطاعت الفكرة المجرمة أن تصل إلى مسخ الرجولة والمروءة والشيمة، وتوثقها علنا كما حدث، فإن الأمر بات خطرا أكثر من أي وقتٍ مضى.