وفي المدخل إلى هذا المقال.. سأعود بكم إلى ذات القصة التي حدثت، بالتقريب، (في مثل هذا اليوم) قبل أعوام أربعة: كنا تحته ومن حوله جلوسا نستمع إلى موعظة عن (الزهد) من لسانه الهادر الذي أعادني يومها إلى جلباب الصحابي أبي ذر الغفاري، عليه من الله الرضوان والمغفرة. انتهت الموعظة القصيرة لنبدأ بروتوكول توديع ذلك الاسم الضخم، كان راكبا باب سيارته اليمين وعلى يساره ذلك السائق الأسمر الفارع الطول، كنت قرويا ساذجا وأنا أقول لصاحبي: كيف وصل هذا الواعظ في فضيلة الزهد إلى إقناع نفسه بأن يأتينا ثم يغادرنا في سيارة رخيصة من نوع كوري شهير للفقراء البسطاء يشترونه أقساطا من الوكالة. هنا تكمن القصة وهنا ما يلي: صاحبي هو ابن دمي المباشر الذي صرخ في وجهي بصوت مرتفع: "يا عم هو غادرنا في سيارة (بنتلي) تكاد تبلغ قيمتها مليون ريال مكتملا". لا زلت أتذكر ذلك الزمن الماضي قبل أربع سنوات ولا زلت أسيرا لتلك الصدمة: الأولى، أنني طفت، ولله الحمد، كل قارات الدنيا ومعظم مدنها، ولكنني فشلت تماما في فهم الفارق ما بين الموعظة والتطبيق. الثانية، أنني تماما، ورغم الإرث المعرفي الذي أخذني في حياتي، ولله الحمد، من مصنع (لكزس) في (كيوتو) اليابانية إلى (تولوز) حيث صناعة أرفع طائرات airbaus ومع هذا فشلت تماما في أن أعرف الفرق ما بين سيارة شعبية يشتريها الفقراء بالأقساط من الوكالة وبين سيارة (البنتلي) التي غادرت وهي تحمل صاحب الموعظة عن الزهد راكبا إلى اليمين وإلى يساره سائق أسمر. الثالثة: أنني لا زلت أتذكر ذلك الظهر بالتحديد، قبل أربع سنوات، وأنا أحاول ألا يشم صاحب موعظة الزهد عرق جسدي الساخن في ظهيرة تلك المدينة الساخنة وأنا أشم من ثنايا ملابسه رائحة كل ما صنعته (سيفورا) و(إيف سان لوران).

بكل الاختصار: كنت قرويا ساذجا لولا أن ابن دمي صاح في وجهي: "يا عم هذه سيارة بنتلي". والخلاصة أنني بعد هذه الصرخة المدوية وبعيد هذه الصدمة جلست على الأرض، حاولت في بضع دقائق قصيرة أن أستعيد من ذات الميكروفون كل ما سمعته أذني قبل لحظات عن موعظة الزهد الرائعة المبكية. حاولت يومها في بضع دقائق أيضا أن تنسى (عيناي) كل ما شاهدته عن (البنتلي) وعن منظر سائق السيارة الأسمر. حاولت في النهاية أن تلفظ أنفي كل روائح العطور من واعظ الزهد. وسأعترف اليوم: استمعت من بعد لعشرات المواعظ عن الزهد، ولكنني أسير لصرخة ابن دمي: "يا عم هذه سيارة بنتلي".