من بين سكان المعمورة كافة، والذين قارب عددهم اليوم 7 مليارات نسمة، يقطنون في 203 دول موزعة على 5 قارات، لا توجد بينهم مجموعة متجانسة مثل شعوب المجموعة الإسلامية التي تنفرد بثبات معطياتها أمام كل المتغيرات، خاصة وأن الله سبحانه وتعالى شرفنا منذ 14 قرنا بدين الرحمة، وكرمنا برسول الهداية، ووحدنا بقِبلة المسلمين، ليتطلع 1700 مليون مسلم حول العالم لشد الرحال إلى مكة المكرمة وأداء فريضة الحج ولو مرة واحدة في العمر.
ومن بين مجموع ثروات الأرض التي فاقت قيمتها الشرائية السنوية 170 تريليون دولار أميركي، لا توجد مجموعة في العالم تضاهي الأمة الإسلامية في ثرواتها التي فاقت نسبة 63% من النفط و28% من الغاز و16% من المراعي و11% من الأخشاب و24% من المنجنيز و56% من القصدير و23% من الحديد والألمنيوم و41% من النحاس و80% من المطاط، إضافة إلى 93% من التمور و43% من القطن و15% من القمح.
تصوروا قوة المسلمين بين شعوب الأرض لو أقرت الدول الإسلامية في موسم الحج اتفاقية التجارة الحرة بينها، وأنشأت المفوضية الاقتصادية لحماية حقوقها، وألغت كل الرسوم الجمركية بين دولها، واعتمدت التعامل بالدينار الإسلامي في أسواقها. وتصوروا مدى احترام شعوب الأرض لأمتنا الإسلامية لو قام خبراؤنا وعلماؤنا بعقد مؤتمراتهم وندواتهم مع بيوت الخبرة والمعرفة العالمية في موسم الحج، لدراسة مواطن الخلل التي تلاحق أمتنا، ووضع الحلول الناجعة لاجتثاث آفة الفقر بين مجتمعاتنا التي فاقت المعدلات الدولية بنسبة 42%، وإزالة مشكلة البطالة من قواميسنا التي أصبحت تشكل 31% بين مواطنينا، وتقييم أسباب ارتفاع نسبة الأمية في أمتنا الإسلامية إلى 27% من إجمالي عدد السكان، لتعادل ضعف نسبة المتوسّط العالمي.
تصوروا عظمة المسلمين بين شعوب المعمورة، لو اتخذت وزارات الإعلام في دولنا قرارا في موسم الحج ينادي بإطلاق مجموعة من الأقمار الصناعية لتغطية أرجاء المعمورة كافة بالفضائيات الموجهة باختلاف اللغات، لتعريف العالم بسماحة الإسلام وتاريخ علماء المسلمين واختراعاتهم التي أثرت البحوث التطبيقية في الطب والهندسة وفك طلاسم الجبر وانكسار الضوء وحركة النجوم والجاذبية الأرضية، ولتعزيز قدراتنا الذاتية في استشراف أخبار الطقس والبيئة وتحديد مواقيت الصلاة والصيام وتواريخ الحج والأعياد.
تصوروا مكانة المسلمين بين شعوب العالم، لو وضع كل مسلم نصب عينيه في موسم الحج مبدأي "العمل عبادة" و"النظافة من الإيمان"، ليقوم كل منا باحترام واجباته وتنفيذ أعماله بأمانة وإتقان، فنسعى جميعا لنظافة مساجدنا ودور علمنا ومنازلنا وشوارعنا بإخلاص واهتمام. وتصوروا لو قام كل طالب في مدارسنا بزرع شتلة في موسم الحج أمام مدرسته، ولو استطاع كل أستاذ جامعي ترجمة كتاب من الكتب العلمية التي يُدَرّسُها على طلابه، ولو تبرع كل بنك بجزء لا يزيد عن 1% من أرباحه لدعم أبحاث الأمراض المستعصية بين شعوبنا، ولو بادرت كل مستشفى بتقديم العلاج المجاني لمئة فقير في كل يوم من أيام العيد، ولو تطوع كل فندق بدعوة مجانية لإطعام مئة يتيم في كل وجبة من أيام فريضة الحج.
تصوروا قوة المسلمين في قريتنا الكونية لو أجمع كل الفقهاء والدعاة في موسم الحج على إصدار فتواهم الموحدة لاجتثاث شأفة الإرهاب وآفة الفساد، وتعريف الشباب بمبادئ وأساليب الجهاد، وحث شعوبنا على إيقاف الاقتتال بين الأشقاء، وتعزيز مكانة حقوق الإنسان، واتباع قواعد العدل والإحسان.
تصوروا عظمة المسلمين لو أعلنت مؤسساتنا المالية في موسم الحج نجاحها في تطوير قدرة مصارفنا على امتلاك 50% من إجمالي حصة المؤسسات المالية الإسلامية في العالم، التي فاق عددها 600 مؤسسة وتعمل في أكثر من 75 دولة في مختلف أرجاء المعمورة، لتزيد أصولها عن 1760 مليار دولار أميركي، خاصة وأن عالمنا الإسلامي يعدّ أكبر سوق عالمي في تداول هذه الأصول.
تصوروا مدى استفادتنا من موسم الحج، لو بدأ خبراء العالم الإسلامي في حصر المنتجات الحرفية والمقتنيات التذكارية والصناعات المساندة المطلوبة والمرغوبة في مواسم الحج والعمرة، ودعمها بدراسات الجدوى الاقتصادية، وضخ رؤوس الأموال للاستثمار في إنتاجها وتسويقها أثناء أداء المناسك وتصدير فوائضها لكل دول العالم. وتصوروا لو قامت منطقة مكة المكرمة في تخصيص الأراضي الخدمية القريبة من مشارفها للاستفادة من مستوى بنيتها التحتية وتشييد أفضل الخدمات الصحية والتعليمية والفنية والبحثية، وتطوير أساطيل النقل السريع لرفع القدرات الاستيعابية لمنافذ منطقتهم الفريدة ومرافقها الأساسية وفنادقها ومبانيها السكنية.
تصوروا لو عقد علماء منطقة مكة المكرمة العزم على دراسة كيفية الاستفادة من لحوم الأضاحي ومخلفاتها، لتصبح منطقتهم معقلا لأفضل الصناعات الجلدية والطبية والمنتجات الغذائية المعلّبة، وتغدو محطة لأكثر تقنيات العالم تقدما في هذه المجالات.
وتصوروا مكانة المملكة بين العالم الإسلامي لو قام أهالي منطقة مكة المكرمة بتحقيق الرؤية التنموية الشاملة لأميرهم خالد الفيصل، ليتفوقوا بخدماتهم الإنسانية الجليلة على أقرانهم في تسهيل مناسك الحج والعمرة، ويحققوا بمستوياتهم الرفيعة أفضل المراتب العلمية والثقافية والاجتماعية والمالية والصحية والصناعية، ويجعلوا من منطقتهم مرجعا حضاريا يستحق بجدارة تصنيف مرتبة العالم الأول.
تصوروا لو استفدنا من تفسير ابن عباس للآية الكريمة "28" من سورة الحج: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ"، واستخدمنا ما قاله، إن: "المنافع هي منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات".