يطل علينا عيد الأضحى المبارك هذا العام متزامنا في الأسبوع ذاته مع احتفال المجتمع الدولي باليوم العالمي للسلام، فالحج وإن كان فريضة واجبة على المسلمين تتكرر كل عام، إلا أنها في نظري تعد ملحمة إنسانية لا نظير لها، تتلاشى فيها كل الفوارق العنصرية والطبقية والطائفية والقومية، الكل في هذه البقعة المقدسة متساوون أمام خالقهم، هذه التظاهرة السنوية المشحونة بالسلام والمحبة دشنها إبراهيم عليه السلام قبل 4 آلاف سنة لإيقاف تقديم القرابين البشرية، فهي تجسد في ثناياها أعلى معاني السلام، هذه التجربة الإنسانية الفريدة التي يتم فيها التدريب سنويا يمكن الاستفادة منها لحل المشكلات بين بني البشر، وفي نشر السلام العالمي، من خلال ترسيخه في نفوس الأفراد وتدريبهم عمليا وروحانيا، على قبول فضائل المحبة والتسامح ومعرفة النفس والسيطرة على الغضب والبعد عن حب التملك أو الرغبة في التحكم بمن نحب أو نعمل مع من. هذا الأسلوب الإبراهيمي في التدريب سنويا سيبقى مصدرا للسلام واللاعنف في العالم.
أقول هذا وقد دخل العالم اليوم في مفاهيم جديدة من الحروب والنزاعات، مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية، ثم الحروب الأصغر، ونحن البشر ابتدعنا مفهوما كارثيا جديدا وهو الحرب الباردة التي تحدث بها حروب بالوكالة، ولك أن تنظر أن هناك أكثر من 13 مليون طفل خارج المدارس في خمس دول عربية فقط هي ليبيا والسودان واليمن وسورية والعراق، ويمثلون تقريبا 40% من عدد الأطفال الذين يدخلون التعليم، ومن المتوقع أن ترتفع النسبة إلى 50% وهي نسبة كارثية، خاصة إذا علمنا أن جماعات التطرف بدأت بمحاولات تجنيد هؤلاء الأطفال.
أما عن اليوم العالمي للسلام، ففي يوم الإثنين الماضي دق الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" جرس السلام بنفسه في حديقة الأمم المتحدة بنيويورك بمناسبة اليوم الدولي للسلام الذي يصادف الحادي والعشرين من سبتمبر من كل عام. واتخذ اليوم العالمي للسلام هذا العام شعار "الشراكة من أجل السلام، الكرامة للجميع"، ودعا فيها الأمين العام إلى إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة، قائلا: "إذا أمكننا أن نعيش ليوم واحد، في عالم خال من العدوان والعداء، يمكننا أن نتصور تحقيق ما هو أكثر من ذلك".
المآسي الإنسانية الناجمة عن النزاعات المسلحة والعنف العرقي والديني والطائفي وجرائم الكراهية، كلها تشير إلى أن الأمر يحتاج إلى تنفيذ ما هو أكثر من ذلك بكثير في إطار الشراكة من أجل تحقيق المثل العليا للسلام، وحمايتها كما جاء بوضوح في ديباجة قرار الجمعية العامة الذي أنشأ في مثل هذا اليوم المشهود، "لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلم، ولما كان السلم المبني على مجرد الاتفاقات السياسية والاقتصادية بين الحكومات لا يمكن أن يحظى من شعوب العالم بمؤازرة جماعية ثابتة مخلصة، وكان من المحتم بالتالي أن يقوم هذا السلم، إذا أريد له عدم الإخفاق، على أساس من التضامن الفكري والمعنوي بين بني البشر".
وختاما أقول: أغمض عيني في أول دقيقة صمت وفرح من عيد حج هذا العام 1436 لأقول لكم جميعا: كل عام وأنتم بخير وأمن وسلام وأمنياتِ ومحبة.