اليوم الخميس العاشر من شهر ذي الحجة أول أيام عيد الأضحى المبارك لهذا العام 1436، وربما من حسن حظي الأكيد أن تتوافق مواعيد نشر مقالاتي في السنوات الأخيرة مع مواعيد أعيادنا وبعض المناسبات الاحتفالية السنوية، وهذا يضيف إلى حياتي سعادة أخرى فوق سعادتي بالمناسبة، إلا أن ما يميز هذا العام هو توافق موعد أهم مناسبة إسلامية وهي شعيرة الحج العظيمة وعيد الأضحى المبارك مع اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، وهي مناسبة رغم نوعيتها وحجم تأثيرها على المواطنين، إلا أنها تأتي في وقت حرج وعصيب تمر به بعض البلدان العربية هنا وهناك، وهو ربما ما يعكر صفو الاحتفال بالمناسبة، نتيجة كم الحزن المنتشر على خارطتنا العربية.
فسورية الحبيبة ما زالت تعاني والإخوة فيها وخارجها ما زالوا يذوقون الأمرين من قسوة النظام، وأطماع الدول الكبرى في هذا الشام الأصيل، وليبيا كما يقول المثل الشعبي "من حفرة لدحديرة"، فكلما لاحت بارقة أمل هجم الظلام عليها من كل صوب.
وأما اليمن وما أدراك ما اليمن فإنه جرح جزيرة العرب الكبير، هذا البلد المنهك، الذي كلما أراد أن ينهض تكالبت عليه ظروف الحياة البائسة، لتعيده إلى دوامة التعب والتردي، وكلما اقترب الفرج باعد الفرقاء أطراف الجرح.
هذا العام سيظل خالدا في ذاكرة المواطن السعودي بتوافقه مع موعد مناسبتين مهمتين هما عيد الأضحى واليوم الوطني السعودي، وسيكون الناس على موعد مع فرحتين معا، فالأولى لها من التقدير العالمي ما يجعلها أم المناسبات الإسلامية على الإطلاق، وأكثرها تأثيرا وروحانية في كل المجتمعات الإسلامية، إذ يفرح العالم الإسلامي كله بعيد الأضحى وإتمام حجاج بيت الله حجهم، وبلوغهم يوم النحر العظم حمدا وشكرا لله الذي منّ عليهم بنعمته، والفرحة الثانية تكمن في احتفال المواطنين باليوم الوطني الذي يأتي متزامنا مع ظروف الحرب على المتمردين وعصابات الحوثيين في اليمن العزيز، وهي ظروف عصيبة تجعل من الاحتفال بهذه المناسبة أمرا ذا أهمية بالغة جدا، كونها سترفع من معنويات الجنود المرابطين على الجبهة لحماية الوطن وأمنه وأهله.
في هذا اليوم سنخرج إلى الشارع بموائد العيد الصباحية، ونلتقي بالأصدقاء وسنمارس حياتنا على طبيعتها، لنستعيد الثقة في أنفسنا وفي الحاضر رغم كآبته والمستقبل رغم ضبابيته وكثرة احتمالاته، فكم نحن بحاجة إلى ذلك، وكم نحن بحاجة إلى استعادة ثقتنا في كل ما حولنا تقريبا..
إلا أنه على الرغم من كل ذلك لا بد من مواساة أنفسنا ولو بقليل من التعزية والأمل في أن غدا ستشرق الشمس من جديد، وأن غدا يوم قادم جديد عامر بالحب والأمن والرخاء لا محالة، فهيا لنردد تكبيرات العيد ونحن نذبح أضاحينا، ونردد معا للوطن
"بلادي بلادي منار الهدى،
ومهد البطولة عبر المدى،
عليها ومنها السلام ابتدا،
وفيها تألق فجر الندى،
حياتي لمجد بلادي فدا،
بلادي بلاد الإبا والشمم،
ومغنى المروءة منذ القدم،
يعانق فيها السماح الهمم،
وفيها تصون العهود الذمم"
قال المسرحي اليوناني على عهد سقراط "إن الوطن هو حيث تكون في خير"، ونحن هنا في خير، وشركاء في المكان والزمان، شئنا ذلك أم أبينا، فمن العايدين يا وطننا العربي الكبير، من العايدين يا وطن، من العايدين أيها الأصدقاء، من العايدين يا صحيفتي العزيزة الوطن، من العايدين أيها المسلمون على امتداد الأرض "وعساكم من عواده"، وكل عام وأنتم بخير وعافية.