هل نحتاج إلى يوم وطني كي نعبر عن حبنا وولائنا لهذا الوطن، وليس كذلك فقط، بل: هل يوم واحد يكفي كي ندرك القيمة الكبرى لهذا الوطن؟ كي نشعر بدفئه وحنانه وخيره الذي يغمرنا؟!
لطالما غشاني مثل هذا السؤال، لكن قد يكون العيب فيما أطرحه من تساؤل، لأن العالم كله يتفق على أن لكل وطن يوم يحتفل به ومن خلاله يعبر عن ولائه وحبه. وبين هذا وذلك وإن تحملت تبعية أسئلتي إلا أنني أجد أنه يحق لي أن أقتحم مفهوم الوطنية وجوهرها، وأتمنى أن أفعل ذلك بهدوء وروية، فدون شك أن الوطن ليس كلمة بقدر ما هو أخلاقيات عميقة ممتدة في الدم والقلب والتراب، وكل من ينتمي لك أرضا أو وقرية وإقليما ووطنا متكاملا.
الوطن هو من يفصل بين الانتهازية والولاء المطلق، ولعل تعريفه الكبير الذي لا لبس فيه، إنه حب الأرض والبلاد والعباد الذين يسكنون فوق هذه الأرض، حب القائد والمنافحين عنه، وتمني الخير والسؤدد له، بل تفضيله على كل ما سواه، وثمة أمر آخر: الإخلاص للكيان الوطني الذي يصل إلى تقديم النفس فداء له.
إذن، فالوطن مرتكز أخلاقي لا يقبل المساومة أو التنازل، وكل ما ينتمي إلى الصفتين الأخيرتين ينقص منه ويقلل قيمته، وبين هذا وذلك كيف إذا كان الوطن قد منحك كل شيء: الأمن والتنشئة السليمة والوفرة المعيشية والتعليم وكل ما يذهب إلى الحفاظ على الصحة؟ واسمحوا أن أقول لكم، إن وطنا مثل وطننا قد أكمل علينا معاني الرخاء، وترك الأمر بأيدينا وفق مفهوم "كل نفس بما كسبت رهينة".
أعود إلى ما بدأت به لأقول: إن يومنا الوطني الذي يوافق اليوم الأربعاء 23 سبتمبر هو يوم للاحتفاء، وليس للتذكير، لأن الوطن عالق بالنفس مع كل هواء نتنفسه، مع كل صباح جديد نعيشه، يومنا الذي نعتز فيه، ليس لأننا نريد أن نتذكر بل لأجل أن نخرج ما في أنفسنا من محبة وانتماء له، تتحول معه مشاعرنا إلى كيانات عاطفية متدفقة لا تتحدث عنه إلا بأفخم العبارات، وأرقى الكلمات، نتذكر فيه المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن، طيب الله ثراه، ندعو له على ما فعله من خير بنا، والأهم الدعوة بأن يستمر هذا الوطن رائعا متحابا متماسكا حتى يرث الله الأرض وما عليها.
يبدو أنني أجبت عن سؤالي، وعليه فلن أتخلى عن يوم الوطن وسأشارك الجميع احتفاليتهم التي رأيت بشائرها تدعو إلى الحب والتأخي، وتنبذ تلك الأصوات التي ترى في كل ما هو مخالف لرأيها بدعة وضلالا، فيحق لنا أن نحتفل بكل مشاعرنا تجاه هذا الوطن فعلا وقولا، وعليه فقد اشتريت أعلاما خضراء، واستحضرت أهازيج الولاء.
ولن أركن إلى ذلك فقط، بل سأغرس في أبنائي وبناتي هذه الاحتفالية ومعايشتها وسأخبرهم؛ أن ما نحتفل به هو تاريخ أمة ومسيرة بطلها الملك عبدالعزيز الذي حوّل الشتات إلى وحدة، والخوف إلى استقرار وأمن، ووضع اللبنات الأساسية لهذا الوطن. سأخبرهم كيف كان الوطن قبل ذلك اليوم المشهود وكيف صار بعده. وسأقول لهم إن من لا يقشعر بدنه حين سماع نشيده والأهازيج التي تتغنى به.. لا يستحق أن يعيش على أرضه.