الزَّرَانِيْق من القبائل العربية المشهورة والمرهوبة الجانب في تهامة اليمن، وبصورة خاصة حول مدينة بيت الفقيه، التي تعد المركز الإداري لديار تلك القبيلة الممتدة شمال هذه المدينة وجنوبها؛ فيقال لمن هم في شمالي مدينة بيت الفقيه الطرف الشامي، ولمن هم في جنوبها الطرف اليماني، ومن أشهر ديار هذه القبيلة: الطايف والخوخة والدريهمي والكيمنة وغليفقة التي هي إحدى الموانئ التهامية اليمنية المعروفة على ساحل البحر الأحمر. أما بطون هذه القبيلة أو فروعها فأشهرهم بنو مقبول، وبنو مشهور، والهبالة، وآل العقبي، وبنو عطا، وبنو الفتيني، وجميعهم شافعيو المذهب، ويوصفون بالشجاعة والشهامة، وسرعة العدو، وبالقدرة على التحمل، كما يوصفون بأنهم محاربون أشداء، خاضوا حروباً طويلة ضد الأتراك في أثناء احتلالهم لليمن، وأيضاً ضد الأئمة الزيدية قبل ثورة سبتمبر 1962، وخصوصاً في عهد الإمام يحيى الذي لقي منهم معارضة شديدة بعد خروج الأدارسة من ديارهم، ومحاولته ضمها إلى مملكته ضمن مشروعه الكبير الرامي إلى تكوين اليمن الحديث في عهده، وتعارض ذلك المشروع مع طموحهم في أن يكون لهم كيان مستقل، حتى إن شيخ مشايخهم المدعو أحمد فتيني قدّم احتجاجا على الإمام يحيى إلى عصبة الأمم -حينذاك- زاعما أن تهامة بما في ذلك "الحديدة" هي جزء متمم لأراضي الزرانيق، وقد قامت بين الزرانيق وجيش الإمام معارك كبيرة قتل منهم فيها الألوف، بالإضافة إلى من قتل من جيش الإمام الذي كان بقيادة سيف الإسلام أحمد بن يحيى حميد الدين الذي كان -حينذاك- وليا لعهد والده الإمام يحيى. ولم يتمكن جيش الإمام من التغلب على الزرانيق إلا بعد أن احتل ميناء غليفقة، وفرض على القبيلة حصارا بحريا تمكن بموجبه من منع أبناء القبيلة من الوصول إلى البحر للحصول على الأسلحة، كذلك عمل سيف الإسلام أحمد، قائد جيش الإمام يحيى، على مصادرة سفنهم الشراعية، فاضطر شيخهم الأكبر أحمد الفتيني للالتجاء إلى الإنجليز المرابطين في جزيرة كمران، واستسلم من بقي من صغار الشيوخ إلى سيف الإسلام أحمد الذي تمكن من إخماد ثورتهم بالقوة، وأخذ منهم الرهائن كعادة الإمام في سياسته تجاه القبائل المناوئة له.

وبعد قيام ثورة سبتمبر عام 1962، وسقوط الإمامة، لا يبدو أن هذه القبيلة وغيرها من القبائل التهامية أخذت حقها من التنمية، فقد ظلت بلادها في حالة مزرية تفتقر إلى أبسط وسائل التنمية على الرغم من خصوبة أرضها وانبساطها وقابليتها للزراعة، وكذلك توفرها على كثير من الموارد الطبيعية في بحرها وبرها وجبلها، وازدادت تلك المناطق سوءا في عهد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي استمر رئيسا على مدى 34 سنة، استحوذ خلالها على كثير من الموارد الطبيعية لتهامة، بما في ذلك استيلاؤه على كثير من الأراضي الزراعية الخصبة في أودية تهامة اليمن الشهيرة، ومنها وادي سردد الشهير الذي حوله مع شركاء له من قبيلته إلى ملكية خاصة، وبستان كبير يجود بمختلف المحاصيل الزراعية، بما في ذلك زراعة الفل الممتدة على مساحات واسعة لا يقطعها النظر. وحينما انتفضت اليمن ضد علي صالح وفساده انتفضت تهامة من أقصاها إلى أدناها، وقد رأينا حشودهم ومظاهراتهم واعتصاماتهم في الحديدة التي تمثل اليوم مركز الثقل في تهامة الشامية، وقبائلها تعدّ من أشد القبائل شكيمة على مدى تاريخهم، وديارهم من أكثر الديار التي تعرضت للإهمال، سواء في عهد الإمامة أو في عهد اليمن الجمهوري، ولهذا لا غرابة إذا هبّت قبيلة الزرانيق مؤيدة للشرعية، ومناوئة للحوثي وحليفه الرئيس المخلوع، واستعداد هذه القبيلة للانخراط ضمن قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، حيث نُقل عن يحيى محمد منصر، شيخ مشايخ قبائل الزرانيق بمحافظة الحديدة أنه جهّز ثلاثة آلاف مقاتل من رجال قبيلته الأشداء للمشاركة في دعم الشرعية والتحالف العربي في معركتهم الحاسمة والمنصورة بإذن الله سبحانه وتعالى ضد الانقلابيين، وإن غدا لناظره قريب.