نشرت الصحف المحلية قبل أسابيع خبرا عن اكتشاف أحد المواطنين وبسبب إيقاف إعانة حافز بأن "زوجته التي تم ترشيحها عام 1433 لوظيفة إدارية في تعليم حائل واعتذرت حينها عن الوظيفة ولم تباشر لظروف عائلية، أنها لا تزال على رأس العمل، حيث كانت تصرف رواتبها وترقت خلالها وحصلت على ثلاث علاوات".
وفي خبر آخر أيضا نشر قبل عدة أشهر، اكتشفت إحدى المواطنات التي تعمل بأحد مستشفيات العاصمة المقدسة على نظام التشغيل الذاتي بأنها مسجلة لدى الخدمة المدنية على وظيفة (معلمة) بمحافظة الطائف بعد مرور 11 عاما على ترشيحها لتلك الوظيفة.
ومما سبق، قد يعتقد البعض بأن توظيف المواطنتين كان بسبب خطأ إداري في إدارات التعليم، ولكن السؤال المطروح هنا: أين ذهبت تلك الرواتب المصروفة وفي أي حساب بنكي؟ أم أنها صرفت نقدا؟ وفي كلتا الحالتين فإن ما حدث من أخطاء تعتبر مؤشرا على وجود مخاطر لاختلاس الرواتب.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن وجود مخاطر اختلاس الرواتب ليس قاصرا على إدارات التعليم وحسب، بل في العديد من الجهات الحكومية، وهذا الخطر يتمثل في وجود حسابات بنكية وهمية، يتم إيداع مبالغ الرواتب في هذه الحسابات والمسجلة بأسماء موظفين لا يعملون فعليا بتلك الجهات.
وقد ظهرت في الحقيقة ملاحظات لصرف رواتب لغير مستحقين، ومنها على سبيل المثال، استمرار صرف رواتب لموظفين مستقيلين أو مفصولين من الجهة، أو صرف رواتب لموظفين انتقلوا إلى جهة حكومية أخرى، أو صرف مبالغ بالزيادة في مسيرات الرواتب، ولكنها لا تذهب للموظف الفعلي، وعلى هذا المنوال.
لا شك أن مصروفات الرواتب والأجور تشكل حجما ضخما في ميزانية الدولة لتكلفة القوى البشرية من مرتبات نقدية وعلاوات وبدلات لموظفي الدولة، لقاء خدمتهم لدى الوزارات والمؤسسات والأجهزة الحكومية المختلفة، ولعل استخدام وتطبيق نظم المعلومات الآلية لدى الجهات الحكومية أدى إلى وجود انطباع خاطئ عن تطور تقنيات الرقابة لمواكبة تلك التغيرات، والتي من المفترض أن تضمن تطبيق رقابة كافية على ما يصرف من رواتب وأجور وملحقاتها، وأن صرفها قد تم طبقا لأحكام القوانين والنظم واللوائح والتعاميم الرسمية الصادرة عن السلطات المختصة في الدولة.
فقد أثبتت التجارب في بعض الجهات الحكومية، عدم وجود قيود رقابية على الأنظمة الآلية لصرف الرواتب، فعلى سبيل المثال: قد نجد أن موظف الرواتب له كامل الصلاحية لإنشاء وتعديل البيانات، فله صلاحية إضافة موظف (حقيقي أو وهمي) وتعديل على بيانات الموظف المضاف (المرتبة، الدرجة، البدل.. إلخ)، بالإضافة إلى تعديل حالة الموظف (مجاز، مستقيل، أو على رأس العمل)، ناهيك عن عدم وجود فصل المهام بين الوظائف المتعارضة في الشؤون المالية والإدارية، فقد نجد عدم فصل المهام، حيث يتم إدخال استحقاق الرواتب عن طريق الإدارة المالية وليس عن طريق شؤون الموظفين.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك إشكالات تتعلق بأنظمة الحاسب الآلي نفسها، ومن أهمها على سبيل المثال، السماح بتكرار السجل المدني للموظفين، والسماح أيضا بتكرار الحسابات البنكية، كما أن النظام الآلي لا يسمح باستخراج مسير الرواتب على مستوى الإدارات، ويتم إصدار المسير بصيغة قابلة للتعديل وغير مشفرة، ناهيك عن عدم وجود إشراف فعّال على الشركات المتعاقد معها سواء في عمليات تحديث البرمجيات أو فيما يتعلق بعمليات الصيانة.
ونظرا لعدم وجود مراجعة لعمليات صرف الرواتب والأجور في بعض الجهات الحكومية، فقد أصبحت هناك فجوة بين عمليات إدخال البيانات في نظام الحاسب الآلي وبين المستندات التي تطلبها الأنظمة والتعليمات المالية الصادرة عن وزارة المالية، فعلى سبيل المثال: قد يتم صرف رواتب بالزيادة لبعض الموظفين في ظل عدم وجود قرار رسمي معتمد من صاحب الصلاحية يثبت هذه الزيادة أو يبررها، أو عدم وجود قرارات المباشرة الخاصة بالموظفين بعد ترقيتهم، وبالتالي إمكانية استمرار صرف الراتب للموظفين في حالة الانقطاع عن العمل أو الاستقالة.
وعلى هذا الأساس، فهناك إمكانية لتضليل وزارة المالية في عمليات صرف الرواتب من خلال إعطائها أوامر اعتمادات صرف مكتملة الإجراءات وفق الأنظمة والتعليمات، ولكن من الناحية الشكلية فقط، فما تم إدخاله من بيانات في نظام الحاسب الآلي قد يختلف عما هو موجود في مستندات الصرف أو العكس في ظل إمكانية التعديل فيما بعد في البيانات.
نشرت الصحف المحلية قبل سنوات عن قضية اختلاس للرواتب في أحد المستشفيات الحكومية، حيث قام مدير الرواتب بالمستشفى بتكرار اختلاس مبالغ من حساب الرواتب خلال ثلاث سنوات تصل قيمتها إلى أكثر من (11) مليون ريال، وكانت الثغرات التي سمحت بهذا الاختلاس هو ضعف دور إدارة المتابعة والمراجعة الداخلية في الرقابة المالية وقصر أعمالها في الحضور والانصراف والتحقيق في القضايا فقط، واستمرار ظهور أسماء الموظفين المستقيلين في مسيرات الرواتب وصرف رواتب لهم، مما ساعد مدير الرواتب على تجميع رواتبهم وتحويلها لحساباته الشخصية.
هذا بالإضافة إلى عدم القيام بفحص كشوف حساب الرواتب البنكية طوال السنوات الثلاث الأخيرة، وتحكم مدير الرواتب بالدسك الخاص بالرواتب دون غيره من موظفي قسم الرواتب، مما سهل ذلك عملية الاختلاس، والتي تم اكتشافها من خلال جهود شخصية عند ملاحظة وجود رواتب عالية في المسير.
ولهذا يقتضي إيلاء مصروفات الرواتب والأجور وملحقاتها أهمية خاصة، والرقابة عليها بشكل إيجابي وفعال، وبذل العناية اللازمة من خلال تنظيم البرامج التدريبية المختلفة، وإعداد برامج التدقيق التفصيلية والمراجعة الدورية، لضمان الالتزام بالقوانين واللوائح وكفاية نظم الضبط والرقابة عليها بما يكفل للدولة ترشيد نفقاتها والاستمرار بتنفيذ خططها وتقديم خدماتها وتحقيق مشروعاتها التنموية.