في أقل من أسبوع واحد، شهد الإعلام الأميركي اعتذار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عن الأخطاء التي ارتكبت خلال الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق في العام 2003، لكنه قال إنه "غير نادم على إسقاط صدام حسين"، وذلك خلال لقاء تلفزيوني مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية.

أعقب ذلك بأيام قليلة اعتراف تفصيلي بحقيقة الحرب على العراق وأهدافها مع الصحفي الأميركي توماس فريدمان، خلال حوار إعلامي على قناة الحرة بداية الشهر الجاري.

الاعتراف بالفشل

فريدمان اعترف بفشل المشروع الغربي لتحقيق الديموقراطية المحمولة على أسنة السلاح في الشرق الأوسط، منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، مرورا بما يعرف بالربيع العربي عام 2011 وصولا لمأساة الوضع في سورية حتى اليوم.

وكرر فريدمان تأييده لدخول أميركا العراق ليس بسبب وجود أسلحة الدمار الشامل، وإنما لأسباب تتعلق بالديموقراطية وتحقيقها في العالم العربي.

الحكم العمودي والأفقي

واعترف فريدمان صراحة بأن الهدف الحقيقي من غزو العراق هو التخلص من آخر قبضة حديدية ديكتاتورية وقفت حائلا أمام تحقيق الديموقراطية، وقال "ما فعلته أميركا بدءا من العام 2003 في العراق هو محاولة التخلص من أشد هؤلاء الحكام المحليين ديكتاتورية، ثم التخلص من القذافي في ليبيا عام 2012، لتتولى الشعوب في اليمن وسورية المهمة بنفسها مع علي صالح وبشار الأسد.

أما الفكرة التي حكمت قادة الغرب وأميركا هي أن إزالة الحكم العمودي في مجتمعات تعددية معناه أنه لا يمكن أن تحكم هذه المجتمعات مرة أخرى إلا أفقيا، أي أن تتولى الجماعات المحلية المختلفة صياغة عقد اجتماعي جديد للتعايش كمواطنين متساويين في الحقوق والواجبات.

خطأ مزدوج

وحسب فريدمان فإن خطأ الغرب تمثل في الجهل بما كان يفعل، وخطأ المنطقة وشعوبها في أنهم لم يرغبوا في نجاح التجربة الديموقراطية، إنما عملوا على إفشالها بكل السبل، وهو على العكس مما تم في أوروبا الشرقية في أعقاب الحرب الباردة حيث سعى 95% من الشعب لتحقيق الحرية والديموقراطية.

فريدمان أشار إلى أن الشرق الوسط سيمر بمرحلة مخاض صعبة وطويلة لمدة 50 عاما قادمة، قبل أن يتمكن من تحقيق المشروع الديموقراطي والانتقال للحكم الأفقي، وسيكون ذلك عن طريق شعوب المنطقة نفسها وليس برعاية أميركا أو الغرب، وحين تكون البداية من أهل المنطقة يصبح أقوى محرك للتغيير، لأن الشعوب تمتلك طاقة ذاتية ومستمرة. 




التمهيد لتطبيق نظرية جديدة قريبا

تؤكد التقارير أن اعتذار بلير واعتراف فريدمان في هذا المنعطف الخطر في المنطقة يؤشر إلى نهاية نظرية "لعبة البولينج" التي صدرتها مطابخ مراكز الدراسات، ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة بدءا من العام 2002، ومؤداها أن ضرب كرة واحدة "العراق" سوف يؤثر على باقي دول المنطقة. وما زال خطاب الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن في معهد أميركان انتربرايز قبل غزو العراق بعشرة أيام فقط ماثلا في الأذهان، حين قال إن العراق بعد تحريره سيكون نموذجا يحتذى به في الدول العربية جمعاء".

استمرار نظام الأسد في سورية رغم كل هذه المآسي الإنسانية والخراب والدمار، وظهور داعش لاستكمال كل أركان الفوضى حتى النهاية في الشرق الأوسط يشير بأن هناك نظرية جديدة يتم التحضير لها الآن وطبخها جيدا قبل أن تطلق كبالون اختبار أولا وتلوكها سجالات النقاش ثانيا، ثم تتحول إلى سياسة الأمر الواقع على الأرض ثالثا، وما الظهور المتزامن لتوني بلير وتوماس فريدمان إلا التمهيد الضروري لهذه النظرية المتوقعة في الفترة القادمة.