لطالما كانت الرؤية علامة الفنان، تمنحه القدرة على قراءة المستقبل والإحساس به، كشف الحجب، على رأي المتصوفة، ولا أعني فحسب تلك الرؤية القائمة على التأمل والاستقراء والكدح في المعرفة، بل أعني أيضا تلك التي تبدو كإلهامٍ غير مفهوم. مارادونا مثلاً، وهو فنان كبير، قبل أن يبلغ العاشرة قال في تسجيل فيديو، بأنه سيقود الأرجنتين لكأس العالم، وفعل. سير المؤثرين، الذين تركوا بصمتهم في جهة ما، مليئة بمثل هذه الالتقاطات من الإلهام والرؤية. ستيف جوبز الذي غيرت أفكاره العالم دون شك، في منتصف طريقه اتصل بمدير شركة بيبسي وقال له "هل ستقضي حياتك في بيع المياه المحلاّة، أم ستأتي معي لنغير العالم؟"، ستيف جوبز الآن لا يكاد يخلو من فكرته بيت في أنحاء هذا الكوكب.

في السعودية ومنذ أكثر من ثلاثين عاما، كان مجتمعنا في حالته الخام، وكانت الفنون تعمل عملها الجميل في تشكيله. فيما يخص الأناقة لم تكن حاضرة، بوصفها علما وفكرة وفنا، وطريقة للحداثة والتغيير. حينها كان يجول في واحدة من قرى الجنوب فتى يافع، اسمه يحيى البشري، عينه على بوابة المغادرة. أقدم وطار إلى أكاديميات الفنون في روما وباريس، درس وتخرج هناك، وفي التسعينات كان اسمه يكبر في عالم هذا الفن والصناعة. قدم عروضه في أكبر عواصم ومدن العالم، صمم أزياء للملوك والمشاهير، والأميرة ديانا، لبست من يديه، ذلك الفستان العسيري الباهر. قدم للجنادرية تصاميمه، أنشأ دارا للمرأة، ووضع يده في اللباس السعودي، ونقله وحيدا، ثم جاءت من بعده الأسماء.

فولتير، الفيلسوف الفرنسي الشهير، قال إن اللباس يغير الأخلاق كما يغير الشكل، وفي أصل تراثنا العربي والإسلامي جاءت الزينة لتأخذ مكانا ذا أهمية كبرى، النبي الكريم حثّ عليه في غير موضع، أوصى بلبس البياض والتجمل واتخاذ الزينة، وجعل النظافة ضرورة من ضرورات الإيمان، قال مرة "أصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس".

في مسرحية "إنسان روسوم" كتب مؤلفها كارل تشابيك: "تصوري يا هيلينا، روسوم العجوز يجلس ومعه أنبوبة اختبار، ويفكر كيف ستنبت منها شجرة كاملة للحياة"، هكذا يمكنك أن تتخيل الفتى يحيى، قبل ثلاثين عاما وفي يده إبرة.. إبرة الفن، ويفكر كيف ستنبت منها شجرة كاملة للحياة.

عيدكم خير وزينة.