دعا الأمير خالد الفيصل قبل فترة إلى أن تكون هناك جامعة تهتم بكل ما يخص الحج من عبادات وأنظمة وتشريعات وفتاوى.. وأذكر أنه اقترح تحويل مركز أبحاث الحج إلى جامعة. لن يكون جديدا إن قلت إن خالد الفيصل دائما يبحث عن كل جديد يقودنا إلى العالم الأول ومن هنا جاءت فكرة مقالي عن مشروع حوار عرفة، وهو دعوه للتفكير كونه اليوم الأكثر قدسية بالنسبة إلى المسلمين. لن يكون كلامي عن فضل يوم عرفة دينيا، فهو علم تعلمناه مبكرا، ورغم تعدد الروايات حول أسباب التسمية بيوم عرفة، إلا أن المعنى يدور حول التعارف والمعرفة إلى جانب الركيزة الأساسية للشعيرة الدينية في وقوف عرفة الذي هو الركن الأساسي في الحج، وما يهمني هنا أكثر هو الحديث عن التعارف بين المسلمين، وما يعنيه من انفتاح الأفكار والحوار على مصراعيها بين جميع القادمين. لذلك، يكون (حوار عرفة) مشروعا إسلاميا عالميا لمناقشة واقع المسلمين من كافة جوانب واقعنا المعاش. لن يكون هذا الحوار بالتزامن مع يوم عرفة، إنما بعد انقضاء الحج، إلا أنه يستثمر رمزيا وجود أكبر كثافة إسلامية في بقعة جغرافية واحدة، لنسمع أصوات بعضنا، دراساتنا، علومنا، أفكارنا التي تنبع من فكرة التعارف الإيجابي ليوم عرفة العظيم، وأن يطلع رجال الدين في وطننا الإسلامي الكبير على أفكار رجال الدين الآخرين، لمحاولة فهم التنوع المسنون في الحياة.
إلى جانب ذلك، سيقوم (حوار عرفة) على التفاعل بين عالمية الإسلام ومحليته، والعكس كذلك، ليصبنا للمرة الأولى في قالب واحد، ويجعلنا نحترم سنة الحياة في اختلافنا، وأنه ليس شرطا أبدا أن نشبه بعضنا، وإلى أن يتراكم الحوار مع السنين فنصبح صوتا عالميا واحدا، في داخله أصوات محلية متنوعة.
الحوار بكل أشكاله يجسد لياقة فكرية هامة علينا التحلي بها، وهي اللغة التي توحد للموقف الواحد، فمثلا لو كان هذا الحوار موجودا تحت قبة واحدة، لاستطعنا حماية مسلمي التوتسي من الهوتسو بإيجاد صوت واحد، عندما يعود إلى وطنه يتحول إلى أصوات متفرقة هنا وهناك، وأوراق ضغط وأجندات مؤثرة تؤدي إلى الحراك العالمي. الحوار هنا يعني أكبر تجمع من كل جنسيات الأرض في مكان واحد، وبدورهم ينقلون الحوار إلى جغرافيتهم من أجل صناعة التأثير الإيجابي للسلام والتعارف والتحاب من خلال أفكار حقيقية يتلقاها المجتمعون كل عام ويتداولونها ويتناقشون حولها، سوف نجد أن كل مقومات الفائدة متوفرة بكثافة، ولكن يبقى التحدي هو في كيفية تنظيم هذا الحوار، وكيفية دعوة المشاركين من كل مشارب المسلمين: رجال أعمال، علماء، رجال دين، صناعيون، تكنولوجيون. أتخيل مثلا، لو أن مشروع (حوار عرفة) في 2020 يقرر إطلاق "القلب الأحمر الإسلامي العالمي" كبديل عن "الهلال الأحمر" المحلي لكل دولة، ليكون أطباء المسلمين متواجدين دائما كمنظمة عالمية شبيهة بـ"أطباء بلا حدود" أو "منظمة الصليب الأحمر" في كل مناطق الحاجة في العالم. أنت تعلم تماما مدى تأثير تلك المنظمة في توجهات الرأي العام وتخفيف الضغط المضاد على قضايانا. هذا مثال واحد فقط، والآن سأترك لك المخيلة أن تنفتح على الأرض إلى المدى الذي يستطيعه عقلك، لتعلم أن (حوار عرفة) هو مركز لا بد منه.