تخيل لو ذهبت للعمل في اليابان أو هولندا، وعدت إلينا بعد سنتين.. وسألناك بعد هذا الغياب الطويل.. ما الذي شاهدته هناك.. حدثنا عن عاداتهم ومناسباتهم.. "سولف لنا" عن تقاليدهم وأسواقهم وشوارعهم.. وبعد أن نكون قد عبّرنا لك فضولنا، وسردنا عليك هذه القائمة من الأسئلة المشروعة، تُفاجئنا وتصدمنا بقولك إنك لا تعرف شيئا عن ذلك كله، لأن صاحب العمل - "كفيلك" - حدد لك مكانا واحد فقط تعمل فيه، وتأكل فيه، وتنام فيه.. ولم تتمكن من معرفة شيء مما يدور خارج مكان عملك، لأنه كان يمنعك من الخروج، ولم يكن يصطحبك معه في تنقلاته، ولا يسمح لك بحضور مناسباته، أو الحفلات والاجتماعات التي يحضرها!

حتى لا نستهلك المساحة أقول لكم من الآخر: شيء من ذلك - وأكثر - تمارسه في بيتك اليوم مع هذه العاملة المنزلية القادمة إليك من شرق آسيا أو شرق أفريقيا!

تأتي إليك وقد كانت عضوا فاعلا في مجتمعها، تتحرك تحت الشمس، وتسير في الهواء، وتعمل في الحقل والمصنع والسوق.. ثم تنتقل فجأة - بما للانتقال من ألم وقسوة واضطرار - لتأتي لمجتمع محافظ - أو قل متحفظ - لدرجة الانغلاق.. ويُفرض عليها العيش لمدة سنتين كاملتين في شقة سكنية مكونة من ثلاث غرف في الدور الثاني، وإن أسعفها الحظ تعمل لدى أسرة تمتلك منزلا فيه فناء واسع يُمكنها من "التشمس" ساعة في الضحى، وسط هذا الحبس المخيف.. وكأننا نتابع أحد المسلسلات المصرية القديمة "حكمت المحكمة على المتهم بالحبس سنتين مع الأشغال الشاقة.. رفعت الجلسة"!

لا أطالبكم مطلقا بتغيير عاداتكم الاجتماعية، أنتم أحرار في حياتكم؛ لكن على الأقل اجعلوا هذه العاملة جزءا منكم.. ومن حياتكم.. تحرروا من ظنونكم وشكوككم، وأشركوها في مناسباتكم وحفلاتكم.. اصطحبوها معكم في النزهات البرية والبحرية.. اطلبوا منها الذهاب معكم إلى السوق.. دعوها ترافقكم في سفركم إن تيسرت ظروفكم.. كونوا رحماء بها.. لا بد لكم من إعادة ترتيب علاقتكم بهذه الإنسانة الفقيرة التي تعمل لأجلكم وتعيش معكم، وتذكروا: لولا الحاجة لما جاءت إليكم!