الطفل الأميركي من أصول سودانية أحمد محمد الذي انتشرت قصته في كل مكان، بعدما تعاملت السلطات والمدرسة الأميركية معه كما تتعامل مع كل إنسان له صلات بالشرق الأوسط الذي أصبح في نظرهم مأوى التخلف والإرهاب وكارهي الحياة ومبغضي الحضارات، لن يكون الأخير الذي يعاني، بل سيستمر مسلسل اضطهادنا وكرهنا وبغضنا لأجل غير محدد.
لا تستطيع أن تلوم الغرب أو العالم كله، إذا اعتبرنا كذلك، لأننا نحن من صنع صورتنا ونحن الذين عملنا خلال عقود من بعد الاستعمار لنحصد لا شيء، فلم ننتظر أن يقدر العالم لا شيء؟ ما منجزك الحضاري، وما مكانتك؟ ماذا أضفت؟ كل هذه الأسئلة لا يستطيع عربي أن يجيب عنها.
بل لا يستطيع أن يجيب عن أسئلة حالية مهمة، لقد رفضت المختلف عنك في بلادك فلماذا تهاجر إلى المختلفين عنك جملة وتفصيلا؟ هل تظن أنك ستتقبلهم أكثر من السني أو الشيعي الذي يتحدث لغتك ويقاسمك تاريخك؟ لماذا تتقبل كل ما تقدمه الحضارة الغربية في أميركا، مثل أن تصبح رئيستك في العمل امرأة، وترفض في بلادك أن تقبل بذلك؟ بلادك التي لم تعجبك وتركتها وأعني الذين لم يهددهم الموت فيها.
الشرق الأوسط سفينة تغرق ولا يحاول ركابها إنقاذها، بل يهربون منها إلى بلاد أخرى فيها كل ما اختلفوا عليه في بلادهم، لكنهم في العالم الجديد لا يجرؤون على الحديث حوله.
قبل أيام شاهدت ابنة جارتي في "الباص" لأجدها قد خلعت الحجاب، قالت الفتاة إن عجوزا شتمها وطالبها بالعودة إلى بلادها إذا كانت ستغطي شعرها، هكذا!! فقررت خلع الحجاب، خاصة مع زيادة الاعتداءات على المحجبات في لندن، وفي الحقيقة نسبة التسامح ستقل مع زيادة المهاجرين، وهذه حقيقة يؤكدها علم الاجتماع فكيف بالتسامح مع مسلمين.
لن يسمح لك العالم أن تكون مسلما؛ لأنهم يظنون أن كل مصائبك قدمت مع دينك، وهم لديهم كل الأدلة التي تساعدهم في ذلك، ولن يستمع أحد لأي محاولة نفي منك؛ لأن الناس تصدق الأفعال وأفعالك يرى العالم كل يوم نتائجها في" فيديوهات" الميليشيات الشيعية وداعش ومجرمي حزب الله.
لقد ترك العربي مشاعره تقوده فقادته إلى الخسارة، لم يستطع أن يكون واقعيا في الوقت الذي تقبل بلد كاليابان مساعدة أميركا التي هزمتها، وقررت المضي قدما بلا أحقاد، وتقبلت ألمانيا الهزيمة والإهانة البالغة التي فرضها العالم عليها، وقالت: (ربما لا يحق لي صنع رصاصة لكن بإمكاني صنع مكائن السيارات).
لقد وجد الناس طريقهم للمضي قدما، وبقينا ندور في حلقة الموت "لإسرائيل.. اللعنة على أميركا" وانتهينا إلى النواصب والشيعة. إن خطابات كهذه يتكسب بها أشخاص معينون يشعلون عواطف الجماهير، وهم يستمتعون بحياتهم، بينما يتسلق مراهق سور بيته، ليفجر نفسه في بغداد، وبينما يحضر الناس زفاف واعظ ومعمم الإرهاب على زوجة صغيرة دفع مهرها من أشرطة ومحاضرات تأليب الناس على بعضهم بعضا.
شاء العالم العربي أم أبى سيظل الدين قائدنا؛ لذا خطرنا ونجاتنا سيكون الخطاب الديني سببهما، وإذا استمر الخطاب الديني يخوض في العداوات ويشعل نيران الكراهية، ويتجنب الحديث عن البناء والحضارة والإنسانية، فلن تقوم لنا قائمة بعد اليوم.
حضرت مداخلة قدمها الدكتور هشام الزير، وتحدث فيها عن أهمية طلب العلم ودعوة الإسلام للسلوك المتحضر، فسألت الدكتور: لماذا لا يركز الدعاة على ذلك، لماذا لا يكون الخطاب الديني خريطة طريق للرقي والتقدم، ولماذا لا يترك علماء الدين الكره واللعن والشتم ويتجهون إلى خطاب التأليف والمودة ثم التعليم والتهذيب؟ ولديهم كل ما يحتاجونه من رسائل إسلامية ومرتكزات تنطلق بالأمة لإثبات وجودها وعظمتها.
أحمد وعمر وكل أبناء هذا الدين يحتاجون إلى وقفة جادة منا، فبعد أن خسر كثير من المسلمين أوطانهم، لا نريد أن نخسر أو يخسروا دينهم؛ لأن قادة الرأي الديني ضلوا طريقهم.